تعريف جميع المؤمنين أن هذا وصف ربهم سبحانه أن يجيب دعاء الداعين في الجملة، وأنه قريب من العبد يسمع دعاءه ويعلم اضطراره فيجيبه بما شاء وكيف شاء " ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له (1) " [الأحقاف: 5] الآية. وقد يجيب السيد عبده والوالد ولده ثم لا يعطيه سؤله. فالإجابة كانت حاصلة لا محالة عند وجود الدعوة، لان أجيب وأستجيب خبر لا ينسخ فيصير المخبر كذابا. يدل على هذا التأويل ما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فتح له في الدعاء فتحت له أبواب الإجابة). وأوحى الله تعالى إلى داود:
أن قل للظلمة من عبادي لا يدعوني فإني أوجبت على نفسي أن أجيب من دعاني وإني إذا أجبت الظلمة لعنتهم. وقال قوم: إن الله يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له في الآخرة، لما رواه أبو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له وإما أن يكف عنه من السوء بمثلها). قالوا: إذن نكثر؟ قال: (لله أكثر). خرجه أبو عمر بن عبد البر، وصححه أبو محمد عبد الحق، وهو في الموطأ منقطع السند. قال أبو عمر: وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند لقول الله تعالى " ادعوني أستجب لكم " [غافر: 60] فهذا كله من الإجابة. وقال ابن عباس: كل عبد دعا أستجيب له، فإن كان الذي يدعو به رزقا له في الدنيا أعطيه، وإن لم يكن رزقا له في الدنيا ذخر له.
قلت: وحديث أبي سعيد الخدري وإن كان إذنا بالإجابة في إحدى ثلاث فقد دلك على صحة ما تقدم من اجتناب الاعتداء المانع من الإجابة حيث قال فيه: (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) وزاد مسلم: (ما لم يستعجل). رواه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل - قيل:
يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال - يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر (2) عند ذلك ويدع الدعاء). وروى البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول