النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة قال ربكم أدعوني أستجب لكم) فسمي الدعاء عبادة، ومنه قوله تعالى: " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (1) " [غافر: 60] أي دعائي. فأمر تعالى بالدعاء وخص عليه وسماه عبادة، ووعد بأن يستجيب لهم. روى ليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء كان الله إذا بعث نبيا قال ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة ما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس). وكان خالد الربعي يقول: عجبت لهذه الأمة في " ادعوني أستجب لكم " [غافر: 60] أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، وليس بينهما شرط. قال له قائل:
مثل ماذا؟ قال مثل قوله: " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات (2) " [البقرة: 25] فها هنا شرط، وقوله:
" وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق (3) " [يونس: 2] فليس فيه شرط العمل، ومثل قوله: " فادعوا الله مخلصين له الدين (4) " [غافر: 14] فها هنا شرط، وقوله: " ادعوني أستجب لكم " ليس فيه شرط.
وكانت الأمم تفزع إلى أنبيائها في حوائجهم حتى تسأل الأنبياء لهم ذلك.
فإن قيل: فما للداعي قد يدعو فلا يجاب؟ فالجواب أن يعلم أن قوله الحق في الآيتين " أجيب " " أستجب " لا يقتضي الاستجابة مطلقا لكل داع على التفصيل، ولا بكل مطلوب على التفصيل، فقد قال ربنا تبارك وتعالى في آية أخرى: " ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (5) " [الأعراف: 55] وكل مصر على كبيرة عالما بها أو جاهلا فهو معتد، وقد أخبر أنه لا يحب المعتدين فكيف يستجيب له. وأنواع الاعتداء كثيرة، يأتي بيانها هنا وفي " الأعراف " إن شاء الله تعالى.
وقال بعض العلماء: أجيب إن شئت، كما قال: " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء (6) " [الانعام: 41] فيكون هذا من باب المطلق والمقيد. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث فأعطي اثنتين ومنع واحدة، على ما يأتي بيانه في " الانعام " إن شاء الله تعالى. وقيل: إنما مقصود هذا الاخبار