فبان بهذه الجملة ما أشرنا إليه من أحوال أصحاب الجمل.
ونحن نبين في الفصل الذي يلي هذا ما يلزم من هو فوق هؤلاء ممن ينظر ويبحث وتطرقه الشبهات وإن لم يبالغ في استيفاء ذلك، ليكون قد ذكرنا أمر الفريقين وبينا أحوال الفئتين. والله تعالى الموفق للصواب.
فصل (في ذكر بيان ما يؤدي النظر فيه إلى معرفة الله تعالى) لا يمكن الوصول إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر في حدوث ما لا يدخل تحت مقدور المخلوقين، وهو الأجسام والأعراض المخصوصة، كالألوان والطعوم والأراييح والقدرة والحياة والشهوة والنفار وما جرى مجرى ذلك.
فأما ما يدخل جنسه تحت مقدور القدر 1) كالحركات والسكنات والاعتمادات والأصوات، فلا يمكن بالنظر فيها الوصول إلى معرفة الله تعالى.
والكلام في حدوث الأجسام أظهر، لأنها معلومة ضرورة لا يحتاج فيها في العلم بوجودها إلى الدليل بل إنما يحتاج إلى الكلام في حدوثها، ثم بيان أن لها محدثا يخالفها فيكون ذلك علما بالله، ثم الكلام في صفته.
ولنا في الكلام في حدوث الأجسام طريقان:
أحدهما: أن ندل على أنها ليست قديمة، فيعلم حينئذ أنها محدثة، لأنه لا واسطة بين القدم والحدوث.
والطريق الثاني: أن نبين أنها لم تسبق المعاني المحدثة، فيعلم أن حكمها حكمها في الحدوث.
(وبيان الطريق الأول) هو أن الأجسام لو كانت قديمة لوجب أن تكون في