يمنع من جواز ذلك عليهم، لأن العلم باستحالة خبر واحد عن شئ واحد من الخلق الكثير على وجه أحد من غير تواطئ مستحيل في العادة. ألا ترى أنه يستحيل من جماعة من الشعراء أن يتواردوا في قصيدة واحدة في معنى واحد وغرض واحد وقافية واحدة وروي واحد، ويجري ذلك مجرى استحالة اجتماعهم على طعام واحد وزي واحد. وإذا كان ذلك مستحيلا في العادة وجب المنع منه.
وليس الكذب في هذا الباب يجري مجرى الصدق، لأن الصدق يجوز أن يتفق من الخلق الكثير من غير تواطئ، لأن العلم بكونه صدقا داع إلى نقله، وليس كذلك الكذب، لأن العلم بكونه كذبا صارف عن نقله، فيحتاج إلى داع غير ذلك يحمل على نقله. ولا يجوز أن يكونوا تواطؤا عليه، لأن ذلك مستحيل منهم، لتباعد ديارهم وانتشارهم في الأرض، ولو تواطؤا بالاجتماع لما خفي ولعلم في أوجز مدة.
وكذلك يستحيل منهم المراسلة والمكاتبة لأن أكثرهم لا يتعارفون وصحة المراسلة فرع على التعارف، وإذا كانوا لا يتعارفون فكيف يصح منهم المكاتبة ولو صح أيضا لكان يجب أن يظهر في أوجز مدة، بذلك قضت العادات وحكم الاعتبار ولو ظهر لعلم.
وأما ما يجري مجرى التواطؤ فهو إما رغبة في الدنيا أو رهبة، وكلاهما منفيان عمن ادعى له النصر، لأنه لو لم يكن له دينا فيطمع فيها فيكذب له بالنص ولم يبسط يده فيخاف منه فيدعو ذلك إلى وضع النص، بل الدواعي كلها إلى كتمانه وجحده والصوارف عن نقله وإظهاره، فكيف يكون هناك ما يجري مجرى التواطؤ.
ولو كان ذلك ممكنا لما دعاهم إلى وضع فضيلة بعينها، بل كان يدعو