كان جماعة من المشايخ في بغداد يتذاكرون كتاب (النهاية) وترتيب أبوابه وفصوله، فكان كل واحد منهم يعارض مؤلفه في مسائل ويذكر أنه لا يخلو من خلل، ثم اتفق أنهم خرجوا لزيارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - وذلك على عهد الشيخ نفسه - فأجمع رأيهم على أن يصوموا ثلاثا ويغتسلوا ليلة الجمعة ويصلوا ويدعوا بحضرة مولانا أمير المؤمنين فلعله يتضح لهم ما اختلفوا فيه، فسنح لهم أمير المؤمنين عليه السلام في النوم وقال لهم: لم يصنف مصنف في فقه آل محمد " ص " كتابا أولى بأن يعتمد عليه ويتخذ قدوة ويرجع إليه أولى من كتاب (النهاية) الذي تنازعتم فيه، وإنما كان ذلك لأن مصنفه اعتمد في تصنيفه على خلوص النية لله والتقرب والزلفى لديه، فلا ترتابوا في صحة ما ضمنه مصنفه واعملوا به وأقيموا مسائله، فقد تعنى في ترتيبه وتهذيبه والتحري بالمسائل الصحيحة بجميع أطرافها. فلما انتبهوا أقبل كل واحد منهم على صاحبه فقال:
رأيت الليلة رؤيا تدل على صحة (النهاية) والاعتماد على مصنفها، فأجمعوا على أن يكتب كل واحد منهم رؤياه على بياض قبل التلفظ، فوافقت الرؤيا لفظا " ومعنى وقاموا متفرقين مغتبطين بذلك، فدخلوا على شيخهم أبي جعفر الطوسي، فحين وقعت عيناه عليهم قال لهم: لم تسكنوا إلى ما كنت أوقفتكم عليه في كتاب (النهاية) حتى سمعتم من لفظ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
فتعجبوا من قوله وسألوه عما استقبلهم من ذلك فقال: سنح لي أمير المؤمنين عليه السلام كما سنح لكم، وحكى رؤياه على وجهها.
هذا هو الطوسي، وهذه هي مدرسته العظيمة، وهذا هو سر خلوده...
* * * من نعم الله تعالى على كاتب هذه السطور أن وفق للدراسة في هذه الحوزة