إن الطواغيت والذين استهوتهم الرئاسة والمال والسيطرة، لا يمكنهم درك هذه الحقائق ولا تدع لهم نفوسهم المتجبرة فرصة الاقتراب من خالقهم، فعاقبتهم الهلاك والبوار. أما المؤمنون ورجال الحق فلو نالتهم المصائب الفادحة في فترات من حياتهم، فمآل أمرهم إلى النصر وجميل الذكر، وهم أحياء بالحياة الدائمة الباقية أفتتحت مدرسة النجف العظيمة على يد " شيخ الطائفة " وتوافد عليها الطلاب من هنا وهناك وجعلوا ينهلون من نميرها العذب ويتعلمون من علومها ويتأدبون بأخلاقها الإلهية، ثم انتشر طلابها في البلاد يبثون المعارف التي اكتسبوها ويعلمون الناس الأسس العقائدية والآداب الإسلامية، ولم تمض إلا فترة قصيرة أمست النجف منبرا عاليا للدعوة الدينية والتعاليم الإسلامية اثنا عشرة سنة بقي الشيخ الطوسي بالنجف يدأب بجد لا يعرف الكلل والملل حتى وضع أسس هذه المدرسة العلمية، وكانت تحتاج إلى مؤهلات علمية وأساتذة تضمن دوامها وبقاءها بعد مؤسسها العظيم، فهيأ لها المؤهلات العلمية بما ألف من الكتب والرسائل وضمن لها البقاء بما ربى من العلماء الأعلام الكاملين في العلم والعمل.
إننا في القرن الرابع عشر نقرأ تاريخ القرن الخامس ونلمس عظمة الشيخ الطوسي في المدرسة الكبرى التي أنشأها بجهوده، ونحس بمتانة أسسها وقوتها التي داومت هذه القرون، بالرغم من الزوابع الشديدة التي كادت أن تعصف بها.
لقد توالي عليها ضروب من المحن وجد أعداء المذهب في إزالتها، ولكن لم تزل قائمة بإذن الله يتخرج منها كل سنة لفيف من خيرة العلماء الدعاة ويعجبني في هذا المجال نقل قصة ذكرها المؤرخون نستدل منها على شدة إخلاص الشيخ الطوسي في عمله وسر خلوده في التاريخ: