من ربه) فرحمة بها، وتاب عليه من معاصيه (لنبذ بالعراء وهو مذموم) وقد بينا معنى " العراء " في الصافات. ومعنى الآية: أنه نبذ غير مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة. وقال ابن جريج:
نبذ بالعراء، وهو أرض المحشر، فالمعنى: أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة (فاجتباه ربه) أي:
استخلصه واصطفاه، وخلصه من الذم (فجعله من الصالحين) فرد عليه الوحي، وشفعه في قومه ونفسه قوله (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك [بأبصارهم]) قرأ الأكثرون بضم الياء من أزلقته، وقرأ أهل المدينة، وأبان بفتحها من زلقته أزلقه، وهما لغتان مشهورتان في العرب. قال الزجاج:
يقال: زلق الرجل رأسه أزلقه: إذا حلقه. وفي معنى الآية للمفسرين قولان:
أحدهما: أن الكفار قصدوا [أن يعيبوا] رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالعين، وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئا، ثم يرفع جانب خبائه، فتمر به النعم، فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها عدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم [بالعين]، فعصم الله نبيه، وأنزل هذه الآية، وهذا قول الكلبي، وتابعه قوم من المفسرين تلقفوا ذلك من تفسيره، منهم الفراء.
والثاني: أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقه من شدته، أي: يلقيه إلى الأرض. وهذا مستعمل في كلام العرب. يقول القائل: نظر إلي فلان نظرا كاد يصرعني. وأنشدوا:
يتقارضون إذا التقوا في موطن * نظرا يزيل مواطئ الأقدام أي: ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة يكاد يزيل الأقدام، وإلى هذا ذهب المحققون، منهم ابن قتيبة، والزجاج. ويدل على صحته أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن، وهو قوله تعالى: (لما سمعوا الذكر) والقوم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة، فيحدون النظر إليه بالبغضاء. وإصابة العين، إنما تكون مع الإعجاب والاستحسان، لا مع البغض فلا يظن بالكلبي أنه فهم معنى الآية. قوله (وما هو) يعني: القرآن (إلا ذكر) أي: موعظة.