فصلا آخر فقال: " إن مع العسر يسرا " والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو، وهو وعد لجميع المؤمنين أي ان مع عسر المؤمنين يسرا في الآخرة، فمعنى قولهم: لن يغلب عسر يسرين: لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا، واليسر الذي وعدهم في الآخرة، إنما يغلب أحدهما، وهو يسر الدنيا. فأما يسر الآخرة، فدائم لا ينقطع، كقوله [صلى الله عليه وسلم]: " شهرا عيد لا ينقصان "، أي: لا يجتمعان في النقص. وحكي عن الثعلبي قال: كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغم، فألقي في روعي بيت من الشعر، فقلت:
أرى الموت لمن أصبح * مغموما له أروح فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف:
ألا يا أيها المرء * الذي الهم به برح وقد أنشد بيتا لم * يزل في فكره يسبح [إذا اشتد بك العسر * ففكر في " ألم نشرح "] فعسر بين يسرين * إذا أبصرته فافرح فحفظت الأبيات وفرج الله غمي.
قوله [عز وجل]: (فإذا فرغت فانصب) أي: فادأب في العمل، وهو من النصب، والنصب: التعب، الدؤوب في العمل، وفي معنى الكلام ستة أقوال:
أحدها: فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، قاله ابن مسعود.
والثاني: فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، قاله ابن عباس، والضحاك، ومقاتل.
والثالث: فإذا فرغت من جهالة عدوك فانصب لعبادة ربك، قاله الحسن وقتادة.
والرابع: فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك، قاله مجاهد.
والخامس: فإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك، قاله الشعبي والزهري.
والسادس: إذا صح بدنك فاجعل صحتك نصبا في العبادة، ذكره علي بن أبي طلحة. قوله (وإلى ربك فارغب) قال الزجاج: اجعل رغبتك إلى الله عز وجل وحده.