أين ما كانوا، وكيف ما كانوا، وكنا نصدق أقوالهم، ونضفي الصحة على ما ينكرون ويكذبون ونلتذ باستهزائهم الحق.
" نخوض ": من مادة (خوض) على وزن (حوض)، وتعني في الأصل الغور والحركة في الماء، ويطلق على الدخول والتلوث بالأمور، والقرآن غالبا ما يستعمل هذه اللفظة في الاشتغال بالباطل والغور فيه.
(الخوض في الباطل) له معان واسعة فهو يشمل الدخول في المجالس التي تتعرض فيها آيات الله للإستهزاء أو ما تروج فيها البدع، أو المزاح الواقح، أو التحدث عن المحارم المرتكبة بعنوان الافتخار والتلذذ بذكرها، وكذلك المشاركة في مجالس الغيبة والإتهام واللهو واللعب وأمثال ذلك، ولكن المعنى الذي انصرفت إليه الآية هو الخوض في مجالس الاستهزاء بالدين والمقدسات وتضعيفها وترويج الكفر والشرك.
وأخيرا يضيف: وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين.
من الواضح أن إنكار المعاد ويوم الحساب والجزاء يزلزل جميع القيم الإلهية والأخلاقية، ويشجع الإنسان على ارتكاب المحارم، ويرفع كل مانع هذا الطريق، خصوصا إذا استمر إلى آخر العمر، على كل حال فإن ما يستفاد من هذه الآيات أن الكفار هم مكلفون بفروع الدين، كما هم مكلفون بالأصول، وكذلك تشير إلى أن الأركان الأربعة، أي الصلاة والزكاة وترك مجالس أهل الباطل، والإيمان بالقيامة لها الأثر البالغ في تربية وهداية الإنسان، وبهذا لا يمكن أن يكون الجحيم مكانا للمصلين الواقعيين، والمؤتين الزكاة، والتاركين الباطل والمؤمنين بالقيامة.
بالطبع فإن الصلاة هي عبادة الله، ولكنها لا تنفع إذا لم يمتلك الإنسان الإيمان به تعالى، ولهذا فإن أداءها رمز للإيمان والاعتقاد بالله والتسليم لأوامره، ويمكن القول إن هذه الأمور الأربعة تبدأ بالتوحيد ينتهي بالمعاد، وتحقق العلاقة والرابطة بين الإنسان والخالق، وكذا بين المخلوقين أنفسهم.