والمشهور بين المفسرين أن المراد من (اليقين) هنا هو الموت، لأنه يعتبر أمر يقيني للمؤمن والكافر، وإذا شك الإنسان في شئ ما فلا يستطيع أن يشك بالموت ونقرأ أيضا في الآية (99) من سورة الحجر: وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين.
ولكن ذهب البعض إلى أن اليقين هنا يعني المعرفة الحاصلة بعد موت الإنسان وهي التي تختص بمسائل البرزخ والقيامة، وهذا ما يتفق نوعا ما مع التفسير الأول.
وفي الآية الأخيرة محل البحث إشارة إلى العاقبة السيئة لهذه الجماعة فيقول تعالى: فما تنفعهم شفاعة الشافعين.
فلا تنفعهم شفاعة الأنبياء ورسل الله والأئمة، ولا الملائكة والصديقين والشهداء والصالحين، ولأنها تحتاج إلى عوامل مساعدة وهؤلاء أبادوا كل هذه العوامل، فالشفاعة كالماء الزلال الذي تسقى به النبتة الفتية، وبديهي إذا ماتت النبتة الفتية، لا يكن للماء الزلال أن يحييها، وبعبارة أخرى كما قلنا في بحث الشفاعة، فإن الشفاعة من (الشفع) وتعني ضم الشئ إلى آخر، ومعنى هذا الحديث هو أن المشفع له يكون قد قطع قسطا من الطريق وهو متأخر عن الركب في مآزق المسير، فتضم إليه شفاعة الشافع لتعينه على قطع بقية الطريق (1).
وهذه الآية تؤكد مرة أخرى مسألة الشفاعة وتنوع وتعدد الشفعاء عند الله، وهي جواب قاطع لمن ينكر الشفاعة، وكذلك توكد على أن للشفاعة شروطا وأنها لا تعني اعطاء الضوء الأخضر لارتكاب الذنوب، بل هي عامل مساعد لتربية الإنسان وايصاله على الأقل إلى مرحلة تكون له القابلية على التشفع، بحيث لا تنقطع وشائج العلاقة بينه وبين الله تعالى والأولياء.
* * *