التمام إذ لزمه النقصان، وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه ".
أقول: أول كلامه عليه السلام مسوق لبيان امتناع ذاته المقدسة عن الحد، ولزمه في جميع ما عداه، وقد تقدم توضيحه الاجمالي فيما تقدم.
وقوله: " لا يشمل بحد ولا يحسب بعد " كالنتيجة لما تقدمه من البيان، وقوله:
" وإنما تحد الادوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها " بمنزلة بيان آخر لقوله: " لا يشمل بحد، الخ " فإن البيان السابق انما سيق من مسلك ان هذه الحدود المستقرة في المصنوعات مجعولة للذات المتعالية متأخرة عنها تأخر الفعل عن فاعله فلا يمكن أن تتقيد بها الذات إذ كان ذات ولا فعل.
وأما ما في قوله: " وإنما تحد " " الخ " من البيان فهو مسوق من طريق آخر وهو أن التقدير والتحديد الذي هو شأن هذه الادوات والحدود انما هو بالمسانخة النوعية كما أن المثقال الذي هو واحد الوزن مثلا توزن به الأثقال دون الألوان والأصوات مثلا، والزمان الذي هو مقدار الحركة انما تحد به الحركات، والانسان مثلا انما يقدر بما له من الوزن الاجتماعي المتوسط مثلا من يماثله في الانسانية، وبالجملة كل حد من هذه الحدود يعطى لمحدوده شبيه معناه، وكل صفة إمكانية كائنة ما كانت مبنية على قدر وحد، وملزومة لأمد ونهاية، وكيف يمكن أن يحمل معناها المحدود على ذات أزلية أبدية غير متناهية؟.
فهذا هو مراده عليه السلام، ولذلك أردفه بقوله: " منعتها منذ القدمة " (الخ)، أي صدق كلمة " منذ " وكلمة " قد " الدالتين على الحدوث الزماني، على الأشياء منعتها وحمتها أن تتصف بالقدمة، وكذلك صدق كلمة " لولا " في الأشياء وهى تدل على النقص واقتران المانع جنبتها وبعدتها أن تكون كاملة من كل وجه.
وقوله: " بها تجلى صانعها للعقول وبها امتنع من نظر العيون " الضميران للأشياء أي إن الأشياء بما هي آيات له تعالى والآية لا ترى إلا ذا الآية فهى كالمرائي لا تجلى إلا إياه تعالى فهو بها تجلى للعقول وبها أيضا امتنع عن نظر العيون إذ لا طريق إلى النظر إليه تعالى إلا هذه الآيات وهى محدودة لا تنال إلا مثلها لا ربها المحيط بكل شئ.