لافتراق الصانع والمصنوع، والحاد والمحدود، والرب والمربوب، الاحد لا بتأويل عدد، والخالق لا بمعنى حركة ونصب، والسميع لا بأداة، والبصير لا بتفريق آلة، والشاهد لا بمماسة، والبائن لا بتراخي مسافة، والظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة، بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه، من وصفه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله ".
أقول: أول كلامه عليه السلام مبنى على أن جميع المعاني والصفات المشهودة في الممكنات أمور محدودة لا تتم إلا بحاد يحدها وصانع يصنعها، ورب يربها، وهو الله سبحانه، وإذ كان الحد من صنعه فهو متأخر عنه غير لازم له، فقد تنزهت ساحة كبريائه عن هذه الحدود.
وإذا كان كذلك كان ما يوصف به من الصفات غير محدود بحد - وإن كان لفظنا قاصرا عنه، والمعنى غير واف به - فهو تعالى أحد لا بتأويل عدد يقضى بالمحدودية، وعلى هذا النهج خلقه وسمعه وبصره وشهوده وغير ذلك.
ومن فروع ذلك أن بينونته من خلقه ليس بمعنى الانفصال والانعزال تعالى عن الاتصال والانفصال، والحلول والانعزال، بل بمعنى قهره لها وقدرته عليها، وخضوعهم له ورجوعهم إليه.
وقوله عليه السلام: " من وصفه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله " فرع على إثبات الوحدة العددية إبطال الأزل لان حقيقة الأزل كونه تعالى غير متناه في ذاته وصفاته ولا محدود فإذا اعتبر من حيث إنه غير مسبوق بشئ يتقدم عليه كان هو أزله، وإذا اعتبر من حيث إنه غير ملحوق بشئ يتأخر عنه كان هو أبده، وربما اعتبر من الجانبين فكان دواما.
وأما ما يظهر من عدة من الباحثين أن معنى كونه تعالى أزليا أنه سابق متقدم على خلقه المحدث تقدما في أزمنة غير متناهية لا خبر فيها عن الخلق ولا أثر منهم فهو من أشنع الخطأ، وأين الزمان الذي هو مقدار حركة المتحركات والمشاركة معه تعالى في أزله؟!.
وفي النهج: ومن خطبة له عليه السلام: " الحمد لله خالق العباد، وساطح المهاد،