أقول: بناء البيان على كونه تعالى غير محدود وكون غيره محدودا فإن هذه المعاني والنعوت وكل ما كان من قبيلها إذا طرا عليها الحد كانت لها إضافة ما إلى غيرها، ويستوجب التحدد حينئذ أن تنقطع وتزول عما أضيفت إليه، وتتبدل إلى ما يقابلها من المعنى.
فالظهور إذا فرض محدودا كان بالنسبة إلى جهة أو إلى شئ دون جهة أخرى وشئ آخر، وصار الامر الظاهر باطنا خفيا بالنسبة إلى تلك الجهة الأخرى والشئ الاخر، والعزة إذا اخذت بحد بطلت فيما وراء حدها فكانت ذلة بالنسبة إليه، والقوة إذا كانت مقيدة تبدلت بالنسبة إلى ما وراء قيدها ضعفا، والظهور بطون في غير محله، والبطون ظهور في الخارج عن مستواه.
والملك إذا كان محدودا كان من يحده مهيمنا على هذا المالك، فهو وملكه تحت ملك غيره، والعلم إذا كان محدودا لم يكن من صاحبه لان الشئ لا يحد نفسه، فكان بإفاضة الغير وتعليمه، وهكذا.
والدليل على أنه عليه السلام بنى بيانه على معنى الحد قوله: " وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات " (إلخ)، فإنه وما بعده ظاهر في الإشارة إلى محدودية المخلوقات، والسياق واحد.
وأما قوله عليه السلام: وكل مسمى بالوحدة غيره قليل " - والجملة هي المقصودة من نقل الخطبة - فبناؤه على معنى الحد ظاهر فإن الوحدة العددية المتفرعة على محدودية المسمى بالواحد لازمه تقسم المعنى وتكثره، وكلما زاد التقسم والتكثر أمعن الواحد في القلة والضعف بالنسبة إلى الكثرة الحادثة، فكل واحد عددي فهو قليل بالنسبة إلى الكثير الذي بإزائه ولو بالفرض.
وأما الواحد الذي لا حد لمعناه ولا نهاية له فلا يحتمل فرض الكثرة لعدم احتماله طرو الحد وعروض التميز ولا يشذ عن وجوده شئ من معناه حتى يكثره ويقوى بضمه، ويقل ويضعف بعزله، بل كلما فرض له ثان في معناه فإذا هو هو.
وفي النهج: ومن خطبة له عليه السلام: " الحمد لله الدال على وجوده بخلقه، وبمحدث خلقه على أزليته، وباشتباههم على أن لا شبه له، لا يستلمه المشاعر، ولا يحجبه السواتر