ذاته وإلا لهدده بالتحديد وقهره بالتقدير، فهو المحيط بكل شئ، المهيمن على كل أمر، ولا يلحقه صفة تمتاز ذاته، فإن في ذلك بطلان أزليته وعدم محدودية.
وأن صفته تعالى الكمالية غير محدودة بحد يدفع الغير أو يدفعه الغير كما أن العلم فينا غير القدرة لما بينهما من المدافعة مفهوما ومصداقا، ولا تدافع بينهما فيه تعالى، بل الصفة عين الصفة وعين كل صفة من صفاته العليا، والاسم عين كل اسم من أسمائه الحسنى.
بل إن هنا لك ما هو ألطف معنى وأبعد غورا من ذلك وهو أن هذه المعاني والمفاهيم للعقل بمنزلة الموازين والمكائيل يوزن ويكتال بها الوجود الخارجي والكون الواقعي، فهى حدود محدودة لا تنعزل عن هذا الشأن وإن ضممنا بعضها إلى بعض، واستمددنا من أحدها للاخر، لا يغترف بأوعيتها إلا ما يقاربها في الحد، فإذا فرضنا أمرا غير محدود ثم قصدناه بهذه المقاييس المحدودة لم ننل منه إلا المحدود وهو غيره، وكلما زدنا في الامعان في نيله زاد تعاليا وابتعادا.
فمفهوم العلم مثلا هو معنى أخذناه من وصف محدود في الخارج نعده كمالا لما يوجد له، وفى هذا المفهوم من التحديد ما يمنعه أن يشمل القدرة والحياة مثلا، فإذا أطلقناه عليه تعالى ثم عدلنا محدوديته بالتقييد في نحو قولنا:: علم لا كالعلوم فهب أنه يخلص من بعض التحديد لكنه بعد مفهوم لا ينعزل عن شأنه وهو عدم شموله ما وراءه (ولكل مفهوم وراء يقصر عن شموله) وإضافة مفهوم إلى مفهوم آخر لا يؤدى إلى بطلان خاصة المفهومية، وهو ظاهر.
وهذا هو الذي يحير الانسان اللبيب في توصيفه تعالى بما يثبته له لبه وعقله، وهو المستفاد من قوله عليه السلام: " لا تحده الصفات " ومن قوله فيما تقدم من خطبته المنقولة:
" وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه " وقوله أيضا في تلك الخطبة: " الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود " وأنت ترى أنه عليه السلام يثبت الصفة في عين أنه ينفيها أو ينفى حدها، ومن المعلوم أن إثباتها هي لا تنفك عن الحد فنفى الحد عنها إسقاط لها بعد إقامتها، ويؤول إلى أن إثبات شئ من صفات الكمال فيه لا ينفى ما وراءها فتتحد الصفات بعضها مع بعض ثم تتحد مع الذات ولا حد، ثم لا ينفى ما وراءها مما لا مفهوم لنا نحكي عنه، ولا إدراك لنا يتعلق به فافهم ذلك.