التناسخ وغيرهما.
فالمتعبد على حسب الدستور الديني يأتي بما ندب إليه من نوع التزهد من غير أن يخطر بباله أن هناك نفسا مجردة، وان لها نوعا من المعرفة، فيه سعادتها وكمال وجودها.
وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات على اختلاف طرقها وسننها إنما يرتاض بما يرتاض من مشاق الأعمال ولا هم له في ذلك إلا حيازة المقام الموعود فيها والتسلط على نتيجة العمل، كنفوذ الإرادة مثلا وهو في غفلة من أمر النفس المذكور من حين يأخذ في عمله إلى حين يختمه.
على أن في هؤلاء من لا يرى في النفس إلا أنها أمر مادي طبيعي كالدم أو الروح البخاري أو الاجزاء الأصلية، ومن يرى أن النفس جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري حال فيه، وهو الحامل للحياة فكيف يسوغ القول بكون الجميع يرومون بذلك أمر معرفة النفس؟.
لكنه ينبغي لك ان تتذكر ما تقدم ذكره ان الانسان في جميع هذه المواقف التي يأتي فيها بأعمال تصرف النفس عن الاشتغال بالأمور الخارجية والتمتعات المتفننة المادية إلى نفسها للحصول على خواص وآثار لا توصل إليها الأسباب المادية والعوامل الطبيعية العادية، لا يريد إلا الانفصال عن العلل والأسباب الخارجية، والاستقلال بنفسه للحصول على نتائج خاصة لا سبيل للعوامل المادية العادية إليها.
فالمتدين المتزهد في دينه يرى أن من الواجب الانساني ان يختار لنفسه سعادته الحقيقية وهى الحياة الطيبة الأخروية عند المنتحلين بالمعاد، والحياة السعيدة الدنيوية التي تجمع له الخير وتدفع عنه الشر عند المنكرين له كالوثنية وأصحاب التناسخ، ثم يرى أن الاسترسال في التمتعات الحيوانية لا تحوز له سعادته، ولا تسلك به إلى غرضه، فلا محيص له عن رفض الهوى وترك الانطلاق إلى كل ما تتهوسه نفسه بأسبابها العادية في الجملة، والانجذاب إلى سبب أو أسباب فوق الأسباب المادية العادية بالتقرب إليه والاتصال به، وان هذا التقرب والاتصال إنما يتأتى بالخضوع له والتسليم لامره وذلك أمر روحي نفساني لا ينحفظ إلا بأعمال وتروك بدنية، وهذه هي العبادة الدينية من صلاة ونسك أو ما يرجع إلى ذلك.