فالأعمال والمجاهدات والارتياضات الدينية ترجع جميعا إلى نوع من الاشتغال بأمر النفس، والانسان يرى بالفطرة أنه لا يأخذ شيئا ولا يترك شينا إلا لنفع نفسه، وقد تقدم ان الانسان لا يخلو، ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته وأنه لا يخطئ في شعوره هذا البتة، وإن أخطأ فإنما يخطئ في تفسيره بحسب الرأي النظري والبحث الفكري، فظهر بهذا البيان ان الأديان والمذاهب على اختلاف سننها وطرقها لا تروم إلا الاشتغال بأمر النفس في الجملة، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا.
وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات والمجاهدات وإن لم يكن منتحلا بديلا ولا مؤمنا بأمر حقيقة النفس لا يقصد بنوع رياضته التي يرتاض بها إلا الحصول على نتيجتها الموعودة له، وليست النتيجة الموعودة مرتبطة بالاعمال والتروك التي يأتي بها ارتباطا طبيعيا نظير الارتباط الواقع بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها، بل هو ارتباط إرادي غير مادي متعلق بشعور المرتاض وإرادته المحفوظين بنوع العمل الذي يأتي به، دائر بين نفس المرتاض وبين النتيجة الموعودة، فحقيقة الرياضة المذكورة هي تأييد النفس وتكميلها في شعورها وإرادتها للنتيجة المطلوبة، وإن شئت قلت: أثر الرياضة ان تحصل للنفس حالة العلم بأن المطلوب مقدور لها فإذا صحت الرياضة وتمت صارت بحيث لو أرادت المطلوب مطلقا أو ارادته على شرائط خاصة كإحضار الروح للصبي غير المراهق في المرآت حصل المطلوب.
وإلى هذا الباب يرجع معنى ما روى: " انه ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ان بعض أصحاب عيسى عليه السلام كان يمشى على الماء فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لو كان يقينه أشد من ذلك لمشى على الهواء " فالحديث - كما ترى - يومئ إلى أن الامر يدور مدار اليقين بالله سبحانه وإمحاء الأسباب الكونية عن الاستقلال في التأثير، فإلى أي مبلغ بلغ ركون الانسان إلى القدرة المطلقة الإلهية انقادت له الأشياء على قدره، فافهم ذلك.
ومن أجمع القول في هذا الشأن قول الصادق عليه السلام: ما ضعف بدن عما قويت عليه النية، وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتواتر: " إنما الأعمال بالنيات ".
فقد تبين أن الآثار الدينية للأعمال والعبادات و كذلك آثار الرياضات والمجاهدات إنما تستقر الرابطة بينها وبين النفس الانسانية بشؤونها الباطنية، فالاشتغال بشئ منها