حواسه الظاهرية، وركز شعوره فيما يحبه أو يأسف عليه، فرأى في حال المنام أو في حال من اليقظة يشبه حالة المنام، أمورا مختلفة من الوقائع الماضية أو الحوادث المستقبلة أو خبايا وخفايا تخفى على حواس غيره.
وربما كانت الإرادة إذا شفعت باليقين والايمان الشديد والاذعان الجازم تفعل أفعالا لا يقدر عليها الانسان المتعارف، ولا ان الأسباب العادية يسعها ان تهدى إلى ذلك.
فهذه حوادث جزئية: نادرة - بالنسبة إلى عامة الحوادث العادية - تحدث عن حدوث عوامل مختلفة مرت الإشارة إليها: أما أصل وقوعها فمما ليس كثير حاجة إلى تجشم الاستدلال عليه فكل منا لا يخلو من أن يذكر من نفسه أو من غيره ما يشهد به، وأما أن السبب الحقيقي العامل فيها ما هي؟ فليس ههنا محل الاشتغال به.
والذي يهمنا التنبه عليه هو أن هذه الأمور جميعا تتوقف في وقوعها على نوع من انصراف النفس عن الاشتغال بالأمور الخارجة عنها - وخاصة اللذائذ الجسمانية - وانعطافها إلى نفسها، ولذا كان الأساس في جميع الارتياضات النفسانية - على تنوعها و تشتتها الخارج عن الاحصاء - هو مخالفة النفس في الجملة، وليس إلا لان انكباب النفس على مطاوعة هواها يصرفها عن الاشتغال بنفسها، ويهديها إلى مشتهياتها الخارجة، فيوزعها عليها ويقسم شعورها بينها، فتأخذ بها وتترك نفسها.
3 - لا ينبغي لنا أن نشك في أن العوامل الداعية إلى هذه الآثار النفسانية كما تتم لبعض الافراد موقتا وفي أحايين يسير،، ربما تتم لبعض آخر ثابتة مستمرة أو تمكث مكثا معتدا به فكثيرا ما نجد أشخاصا متزهدين عن الدنيا ولذائذها المادية ومشتهياتها الفانية لا هم لهم إلا ترويض النفس والاشتغال بسلوك طريق الباطن.
ولا ينبغي لنا أن نشك في أن هذه المشغلة النفسية ليست سنة مبتدعة في زماننا هذا، فالنقل والاعتبار يدلان على أنها كانت من السنن الدائرة بين الناس، كلما رجعنا القهقرى فهى من السنن اللازمة للانسانية إلى أقدم عهودها التي نزلت في هذه الأرض على ما نحسب.
4 - البحث عن حال الأمم والتأمل في سننهم وسيرهم وتحليل عقائدهم وأعمالهم يفيد أن الاشتغال بمعرفة النفس على طرقها المختلفة للحصول على عجائب آثارها، كان