من أنفسهم بتوهم القلوب، الحديث.
أقول: قد أوضحنا في ذيل قوله عليه السلام: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين (الرواية الثانية من الباب) أن الانسان إذا اشتغل بآية نفسه وخلا بها عن غيرها انقطع إلى ربه من كل شئ، وعقب ذلك معرفه ربه معرفة بلا توسيط وسط، وعلما بلا تسبيب سبب إذ الانقطاع يرفع كل حجاب مضروب، وعند ذلك يذهل الانسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه، وأحرى بهذه المعرفة أن تسمى معرفة الله بالله.
وانكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أنها الفقيرة إلى الله سبحانه المملوكة له ملكا لا تستقل بشئ دونه، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام: " تعرف نفسك به، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه ".
وفي هذا المعنى ما رواه المسعودي في إثبات الوصية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبة له: " فسبحانك ملأت كل شئ وباينت كل شئ فأنت لا يفقدك شئ وأنت الفعال لما تشاء تباركت يا من كل مدرك من خلقه، وكل محدود من صنعه.
- إلى أن قال - سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك، وترقى إلى نور ضياء قدرتك، وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار كشفت عنها الأغطية، وهتكت عنها الحجب العمية، فرقت أرواحها على أطراف أجنحة الأرواح، فناجوك في أركانك، وولجوا بين أنوار بهائك، ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى كبريائك، فسماهم أهل الملكوت زوارا، ودعاهم أهل الجبروت عمارا ".
وفي البحار عن إرشاد الديلمي - وذكر بعد ذلك سندين لهذا الحديث - وفيه:
" فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكرا لا يخالطه الجهل وذكرا لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين.
فإذا أحبني أحببته، وأفتح عين قلبه إلى جلالي، ولا أخفى عليه خاصة خلقي، وأناجيه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، وأسمعه كلامي وكلام ملائكتي، وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتى يستحيى منه الخلق كلهم، ويمشى على الأرض مغفورا له، وأجعل قلبه واعيا