يتربى بينهم جم غفير من الزهاد وتاركي الدنيا جيلا بعد، جيل وخاصة النصارى فإن من سننهم المتبعة الرهبانية.
وقد ذكر أمر رهبانيتهم في القرآن الشريف قال تعالى: " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " (المائدة: 82)، وقال تعالى: " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " (الحديد: 27)، كما ذكر المتعبدون من اليهود في قوله: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " (آل عمران: 114).
وأما الفرق المختلفة من أصحاب الارتياضات والأعمال النفسية كأصحاب السحر والسيمياء وأصحاب الطلسمات وتسخير الأرواح والجن وروحانيات الحروف والكواكب وغيرها وأصحاب الاحضار وتسخير النفوس، فلكل منهم ارتياضات نفسية خاصة تنتج نوعا من السلطة على أمر النفس. (1) وجملة الامر على ما يتحصل من جميع ما مر: أن الوجهة الأخيرة لجميع أرباب الأديان والمذاهب والأعمال هو تهذيب النفس بترك هواها والاشتغال بتطهيرها من شوب الأخلاق والأحوال غير المناسبة للمطلوب.
5 - لعلك ترجع وتقول: إن الذي ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسيرهم هو الزهد في الدنيا وهو غير مسألة معرفة النفس أو الاشتغال بأمر النفس بالمعنى الذي تقدم البحث عنه.
وبلفظ أوضح: الذي يندب إليه الأديان والمذاهب التي تدعو إلى العبودية بنحو أن يتزهد الانسان نوع تزهد في الدنيا بإتيان الأعمال الصالحة وترك الهوى والاثام ورذائل الأخلاق ليتهيأ بذلك لأحسن الجزاء إما في الآخرة كما يصرح به الأديان النبوية كاليهودية والنصرانية والاسلام، أو في الدنيا كما استقر عليه دين الوثنية ومذهب