الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعا للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني، وقد مر في بعض المباحث السابقة أن التقوى ليس مقاما خاصا دينيا بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي أن لكل مقام معنوى تقوى خاصا يختص به.
فتلخص من جميع ما مر ان المراد بالآية أعني قوله: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " إلى آخر الآية، أنه لا جناح على الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما ذاقوه من خمر أو غيره من المحرمات المعدودة بشرط أن يكونوا ملازمين للتقوى في جميع أطوارهم ومتلبسين بالايمان بالله ورسوله، ومحسنين في أعمالهم عاملين بالواجبات وتاركين لكل محرم نهوا عنه فإن اتفق لهم أن ابتلوا بشئ من الرجس الذي هو من عمل الشيطان قبل نزول التحريم أو قبل وصوله إليهم أو قبل تفقههم به لم يضرهم ذلك شيئا.
وهذا نظير قوله تعالى في آيات تحويل القبلة في جواب سؤالهم عن حال الصلوات التي صلوها إلى غير الكعبة: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " (البقرة: 143).
وسياق هذا الكلام شاهد آخر على كون هذه الآية: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح، الخ " متصلة بما قبلها من الآيات وانها نازلة مع تلك الآيات التي لسانها يشهد انها آخر الآيات المحرمة للخمر نزولا، وان بعض المسلمين كما يشعر به لسان الآيات - على ما استفدناه آنفا - لم يكونوا منتهين عن شربها ما بين الآيات السابقة المحرمة وبين هذه الآيات.
ثم وقع السؤال بعد نزول هذه الآيات عن حال من ابتلى بذلك وفيهم من ابتلى به قبل نزول التحريم، ومن ابتلى به قبل التفقه، ومن ابتلى به لغير عذر فأجيبوا بما يتعين به لكل طائفة حكم مسألته بحسب خصوص حاله، فمن طعمها وهو على حال الايمان والاحسان، ولا يكون إلا من ذاقها من المؤمنين قبل نزول التحريم أو جهلا به فليس عليه جناح، ومن ذاقها على غير النعت فحكمه غير هذا الحكم.
وللمفسرين في الآية أبحاث طويلة، منها ما يرجع إلى قوله: " فيما طعموا " وقد تقدم خلاصة الكلام في ذلك.