نعم قوله تعالى قبيل هذا وسيجزى الله الشاكرين وقد مر تفسيره يدل على أن منهم من لم يتزلزل في عزيمته ولم ينهزم لا في أول الانهزام ولا بعد شيوع خبر قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يدل عليه قوله أفإن مات أو قتل انقلبتم الآية.
ومما يدل عليه قوله ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم أن خبر قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما انتشر بينهم بعد انهزامهم وإصعادهم.
قوله تعالى فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم الخ أي جازاكم غما بغم ليصرفكم عن الحزن على كذا وهذا الغم الذي أثيبوا به كيفما كان هو نعمة منه تعالى بدليل قوله لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم فإن الله تعالى ذم في كتابه هذا الحزن كما قال لكيلا تأسوا على ما فاتكم: الحديد - 23 فهذا الغم الذي يصرفهم عن ذاك الحزن المذموم نعمة وموهبة فيكون هو الغم الطاري عليهم من جهة الندامة على ما وقع منهم والتحسر على ما فاتهم من النصر بسبب الفشل ويكون حينئذ الغم الثاني في قوله بغم الغم الآتي من قبل الحزن المذكور والباء للبدلية والمعنى جازاكم غما بالندامة والحسرة على فوت النصر بدل غم بالحزن على ما فاتكم وما أصابكم.
ومن الجائز أن يكون قوله أثابكم مضمنا معنى الابدال فيكون المعنى فأبدلكم غم الحزن من غم الندامة والحسرة مثيبا لكم فينعكس المعنى في الغمين بالنسبة إلى المعنى السابق.
وعلى كل من المعنيين يكون قوله فأثابكم تفريعا على قوله ولقد عفا عنكم ويتصل به ما بعده أعني قوله ثم أنزل عليكم أحسن اتصال والترتيب أنه عفا عنكم فأثابكم غما بغم ليصونكم عن الحزن الذي لا يرتضيه لكم ثم أنزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا.
وهيهنا وجه آخر يساعده ظهور السياق في تفريع قوله فأثابكم على ما يتصل به بمعنى أن يكون الغم هو ما يتضمنه قوله إذ تصعدون والمراد بقوله بغم هو ما أدى إليه التنازع و المعصية وهو إشراف المشركين عليهم من ورائهم والباء للسببية وهذا معنى حسن وعلى هذا يكون المراد بقوله لكيلا تحزنوا الخ