قوله تعالى وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا الشقاق البينونة والعداوة وقد قرر الله سبحانه بعث الحكمين ليكون أبعد من الجور والتحكم وقوله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما أي إن يرد الزوجان نوعا من الاصلاح من غير عناد ولجاج في الاختلاف فإن سلب الاختيار من أنفسهما وإلقاء زمام الامر إلى الحكمين المرضيين يوجب وفاق البين.
واسند التوفيق إلى الله مع وجود السبب العادي الذي هو إرادتهما الاصلاح والمطاوعة لما حكم به الحكمان لأنه تعالى هو السبب الحقيقي الذي يربط الأسباب بالمسببات وهو المعطي لكل ذي حق حقه ثم تمم الكلام بقوله إن الله كان عليما خبيرا ومناسبته ظاهرة.
(كلام في معنى قيمومة الرجال على النساء) تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الانساني السليم وترجيحه إياه على الهوى واتباع الشهوات والخضوع لحكم العواطف والاحساسات الحادة وحضه وترغيبه في اتباعه وتوصيته في حفظ هذه الوديعة الإلهية عن الضيعة مما لا ستر عليه ولا حاجة إلى إيراد دليل كتابي يؤدي إليه فقد تضمن القرآن آيات كثيرة متكثرة في الدلالة على ذلك تصريحا وتلويحا وبكل لسان وبيان.
ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة ومهام آثارها الجميلة التي يتربى بها الفرد ويقوم بها صلب المجتمع كقوله أشداء على الكفار رحماء بينهم الفتح - 29 وقوله لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة: الروم - 21 وقوله قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق: الأعراف - 32 لكنه عدلها بالموافقة لحكم العقل فصار اتباع حكم هذه العواطف والميول اتباعا لحكم العقل.
وقد مر في بعض المباحث السابقة أن من حفظ الاسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرعة على ذلك أن جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع كشرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغررية والكذب والبهتان والافتراء والغيبة كل ذلك محرمة في الدين.