مراكزهم واللحوق بمن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنيل الغنيمة ففشلوا وتنازعوا في الامر وعصوا أمر النبي بأن لا يتركوا مراكزهم على أي حال وعلى هذا فلا بد من تفسير الفشل بضعف الرأي وأما كونه بمعنى الجبن فلا ينطبق عليهم إذ لم يكن ذلك منهم جبنا بل طمعا في الغنيمة ولو كان الفشل بمعنى الجبن كان منطبقا على حال جميع القوم ويكون على هذا ثم في قوله ثم صرفكم مفيدة للتراخي الرتبي دون الزماني.
ويدل لفظ التنازع على أن الكل لم يكونوا مجمعين على الفشل والمعصية بل كان بعضهم يصر على الإطاعة والبقاء على الائتمار ولذا قال تعالى بعده منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة.
قوله تعالى ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي كفكم عن المشركين بعد ظهور الفشل والتنازع والمعصية وبالجملة بعد وقوع الاختلاف بينكم ليمتحنكم ويختبر إيمانكم وصبركم في الله إذ الاختلاف في القلوب هو أقوى العوامل المقتضية لبسط الابتلاء ليتميز المؤمن من المنافق والمؤمن الراسخ في إيمانه الثابت على عزيمته من المتلون السريع الزوال ومع ذلك فإن الله سبحانه عفا عنهم بفضله كما قال ولقد عفا عنكم.
قوله تعالى إذ تصعدون ولا تلون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم الاصعاد هو الذهاب والابعاد في الأرض بخلاف الصعود فهو الارتقاء إلى مكان عال يقال أصعد في جانب البر أي ذهب فيه بعيدا وصعد في السلم أي ارتقى وقيل إن الاصعاد ربما استعمل بمعنى الصعود.
والظرف متعلق بمقدر أي اذكروا إذ تصعدون أو بقوله صرفكم أو بقوله ليبتليكم على ما قيل وقوله ولا تلون من اللي بمعنى الالتفات والميل قال في المجمع ولا يستعمل إلا في النفي لا يقال لويت على كذا انتهى.
وقوله والرسول يدعوكم في أخراكم الأخرى مقابل الأولى وكون الرسول يدعو وهو في أخراهم يدل على أنهم تفرقوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهم سواد ممتد على طوائف أوليهم مبتعدون عنه صلى الله عليه وآله وسلم وأخراهم بقرب منه وهو يدعوهم من غير أن يلتفت إليه لا أوليهم ولا أخراهم فتركوه صلى الله عليه وآله - بين جموع المشركين وهم يصعدون فرارا من القتل.