ومن هنا يظهر أن المراد بقوله وارزقوهم فيها واكسوهم أن يرتزق السفيه في المال بأن يعيش من نمائه ونتاجه وأرباحه لا من المال بأن يشرع في الاكل من أصله على ركود منه من غير جريان ودوران فينفد عن آخره وهذه هي النكتة في قوله فيها دون أن يقول منها كما ذكره الزمخشري.
ولا يبعد أن يستفاد من الآية عموم ولاية المحجور عليهم بمعنى أن الله لا يرضى بإهمال أمر هؤلاء بل على المجتمع الاسلامي تولى أمرهم فإن كان هناك واحد من الأولياء الأقربين كالأب والجد فعليه التولي والمباشرة وإلا فعلى الحكومة الشرعية أو على المؤمنين أن يقوموا بالامر على التفصيل المذكور في الفقه كلام في أن جميع المال لجميع الناس هذه حقيقة قرآنية هي أصل لاحكام وقوانين هامة في الاسلام أنى ما تفيده هذه الآية أن المال لله ملكا حقيقيا جعله قياما ومعاشا للمجتمع الانساني من غير أن يقفه على شخص دون شخص وقفا لا يتغير ولا يتبدل وهبة تنسلب معها قدرة التصرف التشريعي ثم أذن في اختصاصهم بهذا الذي خوله الجميع على طبق نسب مشرعة كالوراثة والحيازة والتجارة وغير ذلك وشرط لتصرفهم أمورا كالعقل والبلوغ ونحو ذلك.
والأصل الثابت الذي يراعى حاله ويتقدر به فروعه هو كون الجميع للجميع فإنما تراعى المصالح الخاصة على تقدير انحفاظ المصلحة العامة التي تعود إلى المجتمع وعدم المزاحمة وأما مع المزاحمة والمفاوتة فالمقدم هو صلاح المجتمع من غير تردد.
ويتفرع على هذا الأصل الأصيل في الاسلام فروع كثيرة هامة كأحكام الانفاق ومعظم أحكام المعاملات وغير ذلك وقد أيده الله تعالى في موارد من كتابه كقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا: البقرة - 29 وقد أوردنا بعض الكلام المتعلق بهذا المقام في البحث عن آيات الانفاق من سورة البقرة فليراجع هناك.
قوله تعالى وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا قد تقدم استيفاء الكلام في معنى الرزق في قوله تعالى وترزق من تشاء بغير حساب: آل عمران - 27 وقوله وارزقوهم فيها واكسوهم كقوله وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن