وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النزر اليسير من الاحكام وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى وتتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به القرآن وهو ظاهر الأناجيل وليس في شريعة موسى على ما قيل إلا ستمائة حكم تقريبا.
فلم تبدء الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلة صريحة إلا من ناحية النبوة في قالب الدين كما يصرح به القرآن والتاريخ يصدقه على ما سيجئ.
4 - الاسلام وعنايته بالاجتماع لا ريب أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي أسس بنيانه على الاجتماع صريحا ولم يهمل أمر الاجتماع في شأن من شؤونه فانظر إن أردت زيادة تبصر في ذلك إلى سعة الأعمال الانسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة وإلى تشعبها إلى أجناسها وأنواعها وأصنافها ثم انظر إلى إحصاء هذه الشريعة الإلهية لها وإحاطتها بها وبسط أحكامها عليها ترى عجبا ثم انظر إلى تقليبه ذلك كله في قالب الاجتماع ترى أنه أنفذ روح الاجتماع فيها غاية ما يمكن من الانفاذ.
ثم خذ في مقايسة ما وجدته بسائر الشرائع الحقة التي يعتنى بها القرآن وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى تعاين النسبة وتعرف المنزلة.
وأما ما لا يعتنى به القرآن الكريم من الشرائع كأديان الوثنية والصابئة والمانوية والثنوية وغيرها فالامر فيها أظهر وأجلى.
وأما الأمم المتمدنة وغيرها فالتاريخ لا يذكر من أمرها إلا أنها كانت تتبع ما ورثته من أقدم عهود الانسانية من استتباع الاجتماع بالاستخدام واجتماع الافراد تحت جامع حكومة الاستبداد والسلطة الملوكية فكان الاجتماع القومي والوطني والإقليمي يعيش تحت راية الملك والرئاسة ويهتدي بهداية عوامل الوراثة والمكان وغيرهما من غير أن يعتنى أمة من هذه الأمم عناية مستقلة بأمره وتجعله موردا للبحث والعمل حتى الأمم المعظمة التي كانت لها سيادة الدنيا حينما شرقت شارقة الدين وأخذت في إشراقها وإنارتها أعني إمبراطورية الروم والفرس فإنها لم تكن إلا قيصرية وكسروية تجتمع أممها تحت لواء الملك والسلطنة ويتبعها الاجتماع في رشده ونموه ويمكث بمكثها.
نعم يوجد فيما ورثوه أبحاث اجتماعية في مسفورات حكمائهم من أمثال سقراط