ويستغيثون بمولاهم الحق فيقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ثم يشيرون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى من معه من المؤمنين المجاهدين بقولهم واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا فهم يتمنون وليا ويتمنون نصيرا لكن لا يرضون دون أن يسألوا ربهم الولي والنصير.
(كلام في الغيرة والعصبية) انظر إلى هذا الأدب البارع الإلهي الذي أتى به الكتاب العزيز وقسه إلى ما عندنا من ذلك بحسب قضاء الطبع ترى عجبا.
لا شك أن في البنية الانسانية ما يبعثه إلى الدفاع عما يحترمه ويعظمه كالذراري والنساء والجاه وكرامة المحتد ونحو ذلك وهو حكم توجبه الفطرة الانسانية وتلهمه إياه لكن هذا الدفاع ربما كان محمودا إذا كان حقا وللحق وربما كان مذموما يستتبع الشقاء وفساد أمور الحياة إذا كان باطلا وعلى الحق.
والاسلام يحفظ من هذا الحكم أصله وهو ما للفطرة ويبطل تفاصيله أولا ثم يوجهه إلى جهة الله سبحانه بصرفه عن كل شئ ثم يعود به إلى موارده الكثيرة فيسبك الجميع في قالب التوحيد بالايمان بالله فيندب الانسان أن يتعصب لرجاله ونسائه وذراريه ولكل حق بإرجاع الجميع إلى جانب الله فالاسلام يؤيد حكم الفطرة ويهذبه من شوب الأهواء والأماني الفاسدة ويصفي أمره في جميع الموارد ويجعلها جميعا شريعة إنسانية يسلكها الانسان على الفطرة ويخلصها من ظلمة التناقض إلى نور التوافق والتسالم فما يدعو إليه الاسلام ويشرعه لا تناقض ولا تضاد بين أجزائه وأطرافه يشترك جميعها في أنها من شؤون التوحيد ويجتمع كلها في أنها اتباع للحق فيعود جميع الأحكام حينئذ كلية ودائمة وثابتة من غير تخلف واختلاف.
قوله تعالى الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله إلى قوله الطاغوت مقايسة بين الذين آمنوا والذين كفروا من جهة وصف قتالهم وبعبارة أخرى من جهة نية كل من الطائفتين في قتالهم ليعلم بذلك شرف المؤمنين على الكفار في طريقتهم وأن سبيل المؤمنين ينتهي إلى الله سبحانه ويعتمد عليه بخلاف سبيل الكفار ليكون ذلك محرضا آخر للمؤمنين على قتالهم.
قوله تعالى فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا الذين كفروا لوقوعهم في سبيل الطاغوت خارجون عن ولاية الله فلا مولى لهم إلا ولي الشرك