قوله تعالى وطائفة قد أهمتهم أنفسهم هذه طائفة أخرى من المؤمنين ونعني بكونهم من المؤمنين أنهم غير المنافقين الذين ذكرهم الله أخيرا بقوله وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم الآية وهم الذين فارقوا جماعة المؤمنين في أول الامر قبل القتال وانخذلوا فهؤلاء المنافقون لهم شأن آخر سينبئ الله بذلك.
وهؤلاء الطائفة الثانية الموصوفون بأنهم قد أهمتهم أنفسهم لم يكرمهم الله بما أكرم به الطائفة الأولى من العفو وإثابة الغم ثم الامنة والنعاس بل وكلهم إلى أنفسهم فأهمتهم أنفسهم ونسوا كل شئ دونها.
وقد ذكر الله تعالى من أوصافهم وصفين اثنين وإن كان أحدهما من لوازم الآخر وفروعه فذكر أنهم أهمتهم أنفسهم وليس معناه أنهم يريدون سعادة أنفسهم بمعناها الحقيقي فإن المؤمنين أيضا لا يريدون إلا سعادة أنفسهم فالانسان بل كل ذي همامة وإرادة لا يريد إلا نفسه البتة بل المراد أن ليس لهم هم إلا حفظ حياتهم الدنيا وعدم الوقوع في شبكة القتل فهم لا يريدون بدين أو غيره إلا إمتاع أنفسهم في الدنيا وإنما ينتحلون بالدين ظنا منهم أنه عامل غير مغلوب وأن الله لا يرضى بظهور أعدائه عليه وإن كانت الأسباب الظاهرية لهم فهؤلاء يستدرون الدين ما در لهم وإن انقلب الامر ولم يسعدهم الجد انقلبوا على أعقابهم القهقرى.
قوله تعالى يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية إلى قوله لله أي ظنوا بالله أمرا ليس بحق بل هو من ظنون الجاهلية فهم يصفونه بوصف ليس بحق بل من الأوصاف التي كان يصفه بها أهل الجاهلية وهذا الظن أيا ما كان هو شئ يناسبه ويلازمه قولهم هل لنا من الامر من شئ ويكشف عنه ما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبهم به وهو قوله قل إن الامر كله لله فظاهر هذا الجواب أنهم كانوا يظنون أن بعض الامر لهم ولذا لما غلبوا وفشى فيهم القتل تشككوا فقالوا هل لنا من الامر من شئ.
وبذلك يظهر أن الامر الذي كانوا يرونه لأنفسهم هو الظهور والغلبة وإنما كانوا يظنونه لأنفسهم من جهة إسلامهم فهم قد كانوا يظنون أن الدين الحق لا يغلب ولا يغلب المتدين به لما أن على الله أن ينصره من غير قيد وشرط وقد وعدهم به.