وأما احتمال كون الباء للآلة وكون ما كسبوا عين توليهم يوم الالتقاء فبعيد من ظاهر اللفظ فإن ظاهر ما كسبوا تقدم الكسب على التولي والاستزلال.
وكيف كان فظاهر الآية أن بعض ما قدموا من الذنوب والآثام مكن الشيطان أن أغواهم بالتولي والفرار ومن هنا يظهر أن احتمال كون الآية ناظرة إلى نداء الشيطان يوم أحد بقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما في بعض الروايات ليس بشئ إذ لا دلالة عليه من جهة اللفظ.
قوله تعالى ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم هذا العفو هو عن الذين تولوا المذكورين في صدر الآية والآية مطلقة تشمل جميع من تولى يومئذ فتعم الطائفتين جميعا أعني الطائفة التي غشيهم النعاس والطائفة التي أهمتهم أنفسهم والطائفتان مختلفتان بالتكرم بإكرام الله وعدمه ولكونهما مختلفتين لم يذكر مع هذا العفو الشامل لهما معا جهات الاكرام التي اشتمل عليها العفو المتعلق بالطائفة الأولى على ما تقدم بيانه.
ومن هنا يظهر أن هذا العفو المذكور في هذه الآية غير العفو المذكور في قوله ولقد عفا عنكم ومن الدليل على اختلاف العفوين ما في الآيتين من اختلاف اللحن ففرق واضح بين قوله تعالى ولقد عفى عنكم والله ذو فضل على المؤمنين حيث إنه كلام مشعر بالفضل والرأفة وقد سماهم مؤمنين ثم ذكر إثابتهم غما بغم لكيلا يحزنوا ثم إنزاله عليهم أمنة نعاسا وبين قوله تعالى ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم حيث ذكر العفو وسكت عن جميع ما أكرم الطائفة الأولى به ثم ختم الكلام بذكر حلمه وهو أن لا يعجل في العقوبة والعفو الذي مع الحلم إغماض مع استبطان سخط.
فان قلت إنما سوى بين الطائفتين من سوى بينهما لمكان ورود العفو عنهما جميعا قلت معنى العفو مختلف في الموردين بحسب المصداق وإن صدق على الجميع مفهوم العفو على حد سواء ولا دليل على كون العفو والمغفرة وما يشابههما في جميع الموارد سنخا واحدا وقد بينا وجه الاختلاف.
معنى العفو والمغفرة في القرآن العفو على ما ذكره الراغب وهو المعنى المتحصل من موارد استعمالاته هو القصد لتناول الشئ يقال عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده وعفت الريح الدار