يتضمن إسقاط التوحيد وكرائم الأخلاق من مجموعة النواميس الدينية فيه إرجاع للغاية الدينية التي هي كلمة التوحيد إلى الغاية المدنية التي هي التمتع وقد عرفت أنهما غايتان مختلفتان لا ترجع إحديهما إلى الأخرى لا في أصلها ولا في فروعها وثمراتها.
9 - ما معنى الحرية في الاسلام؟ كلمة الحرية على ما يراد بها من المعنى لا يتجاوز عمرها في دورانها على الألسن عدة قرون ولعل السبب المبتدع لها هي النهضة المدنية الأوربية قبل بضعة قرون لكن معناها كان جائلا في الأذهان وأمنية من أماني القلوب منذ أعصار قديمة.
والأصل الطبيعي التكويني الذي ينتشي منه هذا المعنى هو ما تجهز به الانسان في وجوده من الإرادة الباعثة إياه على العمل فإنها حالة نفسية في إبطالها إبطال الحس والشعور المنجر إلى إبطال الانسانية.
غير أن الانسان لما كان موجودا اجتماعيا تسوقه طبيعته إلى الحياة في المجتمع وإلقاء دلوه في الدلاء بإدخال إرادته في الإرادات وفعله في الافعال المنجر إلى الخضوع لقانون يعدل الإرادات والأعمال بوضع حدود لها فالطبيعة التي أعطته إطلاق الإرادة والعمل هي بعينها تحدد الإرادة والعمل وتقيد ذلك الاطلاق الابتدائي والحرية الأولية.
والقوانين المدنية الحاضرة لما وضعت بناء أحكامها على أساس التمتع المادي كما عرفت أنتج ذلك حرية الأمة في أمر المعارف الأصلية الدينية من حيث الالتزام بها وبلوازمها وفي أمر الأخلاق وفي ما وراء القوانين من كل ما يريده ويختاره الانسان من الإرادات والأعمال فهذا هو المراد بالحرية عندهم.
وأما الاسلام فقد وضع قانونه على أساس التوحيد كما عرفت ثم في المرتبة التالية على أساس الأخلاق الفاضلة ثم تعرضت لكل يسير وخطير من الأعمال الفردية والاجتماعية كائنة ما كانت فلا شئ مما يتعلق بالانسان أو يتعلق به الانسان إلا وللشرع الاسلامي فيه قدم أو أثر قدم فلا مجال ولا مظهر للحرية بالمعنى المتقدم فيه.
نعم للانسان فيه الحرية عن قيد عبودية غير الله سبحانه وهذا وإن كان لا يزيد على كلمة واحدة غير أنه وسيع المعنى عند من بحث بحث تعمق في السنة الاسلامية