فالآية تدل على وجود عدة منهم يوم أحد لم ينهوا ولم يفتروا ولم يفرطوا في جنب الله سبحانه سماهم الله شاكرين وصدق أنهم لا سبيل للشيطان إليهم ولا مطمع له فيهم لا في هذه الغزوة فحسب بل هو وصف لهم ثابت فيهم مستقر معهم ولم يطلق اسم الشاكرين في مورد من القرآن على أحد بعنوان على طريق التوصيف إلا في هاتين الآيتين أعني قوله وما محمد إلا رسول الآية وقوله وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله الآية ولم يذكر ما يجازيهم به في شئ من الموردين إشعارا بعظمته ونفاسته.
قوله تعالى وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا الخ تعريض لهم في قولهم عن إخوانهم المقتولين ما يشير إليه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا الآية وقول طائفة منهم لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا هيهنا الآية وهؤلاء من المؤمنين غير المنافقين الذين تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقعدوا عن القتال.
فهذا القول منهم لازمه أن لا يكون موت النفوس بإذن من الله وسنة محكمة تصدر عن قضاء مبرم ولازمه بطلان الملك الإلهي والتدبير المتقن الرباني وسيجئ إن شاء الله الكلام في معنى كتابة الآجال في أول سورة الأنعام.
ولما كان لازم هذا القول ممن قال به أنه آمن لظنه أن الامر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين فقد أراد الدنيا كما مر بيانه ومن اجتنب هذا فقد أراد الآخرة فقال تعالى ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وإنما قال نؤته منها ولم يقل نؤتها لان الإرادة ربما لا توافق تمام الأسباب المؤدية إلى تمام مراده فلا يرزق تمام ما أراده ولكنها لا تخلو من موافقة ما للأسباب في الجملة دائما فإن وافق الجميع رزق الجميع وإن وافق البعض رزق البعض فحسب قال الله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا: الاسراء - 19 وقال تعالى وأن ليس للانسان إلا ما سعى: النجم - 39.
ثم خص الشاكرين بالذكر بإخراجهم من الطائفتين فقال وسنجزي الشاكرين وليس إلا لانهم لا يريدون إلا وجه الله لا يشتغلون بدنيا ولا آخرة كما تقدم.