نبين لكم حقيقة الامر لئلا تحزنوا كما في قوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم الآية:
الحديد - 23 فهذا ما يستقيم به نظم الآية واتساق الجمل المتعاقبة وللمفسرين احتمالات كثيرة في الآية من حيث ما عطف عليه قوله فأثابكم ومن حيث معنى الغم الأول والثاني ومعنى الباء ومعنى قوله لكيلا ليست من الاستقامة على شئ ولا جدوى في نقلها والبحث عنها.
وعلى ما احتملناه من أحد معنيين يكون المراد مما فات في قوله لكيلا تحزنوا على ما فاتكم هو الغلبة والغنيمة ومما أصاب ما أصاب القوم من القتل والجرح.
قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم الامنة بالتحريك الامن والنعاس ما يتقدم النوم من الفتور وهو نوم خفيف ونعاسا بدل من أمنة للملازمة عادة وربما احتمل أن يكون أمنة جمع آمن كطالب وطلبة وهو حينئذ حال من ضمير عليكم ونعاسا مفعول قوله أنزل و - الغشيان - الإحاطة.
والآية تدل على أن هذا النعاس النازل إنما غشى طائفة من القوم ولم يعم الجميع بدليل قوله طائفة منكم وهؤلاء هم الذين رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الانهزام والاصعاد لما ندموا وتحسروا وحاشا أن يعفو الله عنهم عفو رحمة وهم في حال الفرار عن الزحف وهو من كبائر المعاصي والآثام وقد قال ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وحاشا أن تشمل عنايته تعالى على مقترف الفحشاء والمنكر حين يقترف من قبل أن يتوب وقد عنى في حقهم حين أثابهم غما بغم لكيلا يحزنوا فيتقذر قلوبهم بما لا يرتضيه الله سبحانه على ما مر بيانه.
فهؤلاء بعض القوم وهم النادمون على ما فعلوا الراجعون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المحتفون به وكأن ذلك إنما كان حين فارق صلى الله عليه وآله وسلم جموع المشركين وعاد إلى الشعب وإن كان عودهم إليه تدريجا بعد العلم بأنه لم يقتل.
وأما البعض الآخر من القوم فهم الذين يذكرهم الله بقوله وطائفة قد أهمتهم أنفسهم.