وهذا هو الظن بغير الحق الذي هو ظن الجاهلية فإن وثنية الجاهلية كانت تعتقد أن الله تعالى خالق كل شئ وأن لكل صنف من أصناف الحوادث كالرزق والحياة والموت والعشق والحرب وغيرها وكذا لكل نوع من الأنواع الكونية كالانسان والأرض والبحار وغيرها ربا يدبر أمرها لا يغلب على إرادته وكانوا يعبدون هؤلاء الأرباب ليدروا لهم الرزق ويجلبوا لهم السعادة ويقوهم من الشرور والبلايا والله سبحانه كالملك العظيم يفوض كل صنف من أصناف رعيته وكل شطر من أشطار ملكه إلى وال تام الاختيار له أن يفعل ما يشاؤه في منطقة نفوذه وحوزة ولايته.
وإذا ظن الظان أن الدين الحق لا يصير مغلوبا في ظاهر تقدمه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أول من يتحمله من ربه ويحمل أثقاله لا يقهر في ظاهر دعوته أو أنه لا يقتل أو لا يموت فقد ظن بالله غير الحق ظن الجاهلية فاتخذ لله أندادا وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربا وثنيا مفوضا إليه أمر الغلبة والغنيمة مع أن الله سبحانه واحد لا شريك له إليه يرجع الامر كله وليس لاحد من الامر شئ ولذلك لما قال تعالى فيما تقدم من الآيات ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين قطع الكلام بالاعتراض فقال يخاطب نبيه ليس لك من الامر شئ لئلا يتوهم أن له صلى الله عليه وآله وسلم دخلا في قطع أو كبت والله سبحانه هو الذي وضع سنة الأسباب والمسببات فما كان سببه أقوى كان وقوعه أرجح سواء في ذلك الحق والباطل والخير والشر والهداية والضلالة والعدل والظلم ولا فرق فيه بين المؤمن والكافر والمحبوب والمبغوض ومحمد وأبى سفيان. نعم لله سبحانه عناية خاصه بدينه وبأوليائه يجرى نظام الكون بسببها جريا ينجر إلى ظهور الدين وتمهد الأرض لأوليائه والعاقبة للمتقين.
وأمر النبوة والدعوة ليس بمستثنى من هذه السنة الجارية ولذلك كلما توافقت الأسباب العادية على تقدم هذا الدين وظهور المؤمنين كبعض غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذلك وحيث لم يتوافق الأسباب كتحقق نفاق أو معصية لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو فشل أو جزع كانت الغلبة والظهور للمشركين على المؤمنين وكذلك الحال في أمر سائر الأنبياء مع الناس فإن أعداء الأنبياء لكونهم أهل الدنيا وقصرهم مساعيهم في عمارة الدنيا وبسط القدرة وتشديد القوة وجمع الجموع كانت الغلبة الظاهرية والظهور لهم