قوله تعالى أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما اسم الإشارة يدل على بعدهم من ساحة القرب والتشريف والاعتاد والاعداد أو الوعد.
(كلام في التوبة) التوبة بتمام معناها الوارد في القرآن من التعاليم الحقيقية المختصة بهذا الكتاب السماوي فإن التوبة بمعنى الايمان عن كفر وشرك وإن كانت دائرة في سائر الأديان الإلهية كدين موسى وعيسى عليهما السلام لكن لا من جهة تحليل حقيقة التوبة وتسريتها إلى الايمان بل باسم أن ذلك إيمان.
حتى أنه يلوح من الأصول التي بنوا عليها الديانة المسيحية المستقلة عدم نفع التوبة واستحالة أن يستفيد منها الانسان كما يظهر مما أوردوه في توجيه الصلب والفداء وقد تقدم نقله في الكلام على خلقة المسيح في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
هذا وقد انجر أمر الكنيسة بعد إلى الافراط في أمر التوبة إلى حيث كانت تبيع أوراق المغفرة وتتجر بها وكان أولياء الدين يغفرون ذنوب العاصين فيما اعترفوا به عندهم لكن القرآن حلل حال الانسان بحسب وقوع الدعوة عليه وتعلق الهداية به فوجده بالنظر إلى الكمال والكرامة والسعادة الواجبة له في حياته الأخروية عند الله سبحانه التي لا غنى له عنها في سيره الاختياري إلى ربه فقيرا كل الفقر في ذاته صفر الكف بحسب نفسه قال تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني:
فاطر - 15 وقال ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا: الفرقان - 3.
فهو واقع في مهبط الشقاء ومنحط البعد ومنعزل المسكنة كما يشير إليه قوله تعالى لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين: التين - 5 وقوله وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا: مريم - 72 وقوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى: طه - 117.
وإذا كان كذلك فوروده منزلة الكرامة واستقراره في مستقر السعادة يتوقف على انصرافه عما هو فيه من مهبط الشقاء ومنحط البعد وانقلاعه عنه برجوعه إلى ربه