تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٥٦
الجماعة، أو له ولسائر الموحدين، أو له فقط لاستجماعه القوى والحواس فكأن لكل منها عبادة واستعانة، أو لوصوله إلى مقام الجمع فيرى العبادات والاستعانات كلها صادرة عنه.
وتقديم العبادة على الاستعانة لرعاية الفاصلة، أو لان العبادة وسيلة إلى الاستعانة إن كان المراد بها الاستعانة على ما عدا العبادة من المهمات، ولا شك أن تقديم الوسيلة أدخل في استيجاب الإجابة. وإن كان المراد بها الاستعانة على العبادة، أو الاستعانة مطلقا بحيث تدخل فيها العبادة أيضا، فوجه تقديمها ظاهر أيضا، لأنها مقصودة بالنسبة إلى الاستعانة وإن كان طلب المعونة على الشئ مقدما عليه.
وقيل: لا يبعد أن يجعل العبادة إشارة إلى الفناء في الله، لان غاية الخضوع هي الرجوع إلى العدم الأصلي، والاستعانة إشارة إلى طلب البقاء بعد الفناء لتسير السير في الله، وحينئذ وجه التقديم ظاهر كما لا يخفى، وفيه ما لا يخفى.
وإنما أطلق الاستعانة ولم يقيدها بكل مستعان فيه ولا ببعضه، ليحتمل الكل ويحمله القارئ على ما يناسب حاله.
وقرئ (نستعين) بكسر النون، وهي لغة تميم فإنهم يكسرون حرف المضارعة سوى الياء إذا لم ينضم ما بعدها.
وقيل: الواو للحال، والمعنى نعبدك مستعينين بك، فأقول: لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه أو هم ذلك تبجحا واعتدادا منه بما صدر عنه، فعقبه بقوله: " و إياك نستعين " ليدل على أن العبادة - أيضا - مما لا يتم ولا يستتب إلا بمعونة الله.
وفي الحديث، إذا قال العبد: " إياك نعبد " قال الله: صدق عبدي إياي يعبد، أشهدكم لأثيبه على عبادته ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: " وإياك نستعين " قال الله: بي استعان وإلي التجأ أشهدكم لا عينه في شدائده ولأخذت بيده يوم نوائبه (1).

(١) تفسير الإمام العسكري (عليه السلام): ص 21.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست