تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٢٥٢
كلوا: نصب على إرادة القول، أي وقلنا لهم: كلوا.
من طيبت ما رزقناكم: أي الشهي اللذيذ مما رزقناكم، قيل: أو الحلال، وهذا بناء على تناول الرزق الحرام أيضا.
وما ظلمونا: فيه اختصار، تقديره فظلموا بأن كفروا هذه النعمة، وما ظلمونا.
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون: بالكفران، لأنه لا يتخطاهم ضرره. وكان سبب إنزال المن والسلوى عليهم (على ما ذكره الشيخ الطبرسي): أنه لما ابتلاهم بالتيه، إذ قالوا لموسى: " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " حين أمرهم بالسير إلى بيت المقدس وحرب العمالقة بقوله: ادخلوا الأرض المقدسة (1) فوقعوا في التيه، صاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة، وكلما أصبحوا ساروا عادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا عنه كذلك حتى تمت المدة، وبقوا فيها أربعين سنة، وفي التيه توفي موسى وهارون، ثم خرج يوشع بن نون. وكان الله تعالى يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الأرض إلى الجانب الذي ساروا فيه، فكانوا يضلون عن الطريق، لأنهم كانوا خلقا عظيما، فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة، في هذا المقدار من الأرض، ولما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوا، فألطف الله لهم بالغمام لما شكوا حر الشمس وأنزل عليهم المن والسلوى، فكان يسوق عليهم المن من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم.
وقال الصادق (عليه السلام): كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه، فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى طلوع الشمس (2).
قال ابن جريح: وكان الرجل منهم إن أخذ من المن والسلوى زيادة على طعام

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 116، في تفسيره لقوله تعالى: " وضللنا عليهم الغمام ".
(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 117.
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست