مجازي إلا هو فهو العامل، وهو المجازي على العمل، فهم وإن كانوا مؤمنين بالقول صورة، فما هم بمؤمنين بالحال حقيقة، إذ حقيقة الايمان بالله سبحانه تقتضي أن لا تسند الآثار إلا إليه، بل لا يرى في الوجود إلا هو، فحيث قالوا آمنا وما قالوا تجلى الحق في صورة منوطة باسمه المؤمن، اشتقوا الايمان لأنفسهم، وهذا شركة في التوحيد، " يخادعون الله " أي يظهرون بألسنة أقوالهم الظاهرة ما لم يتحققوا به في بواطنهم وهو الايمان بالله، فلا يوافق ظاهرهم باطنهم. وكذلك يخادعون الذين آمنوا، أي الذين تجلى عليهم بالاسم المؤمن، فسرى هذا التجلي في ظاهرهم وباطنهم، فآمنوا صورة وحقيقة. " وما يخدعون إلا أنفسهم " إذ الأشياء في الحقيقة الوحدة الجمعية الإلهية متحدة بعضها مع بعض، ومع تلك الحقيقة أيضا، فكل شئ نفس الأشياء الاخر، ونفس تلك الحقيقة أيضا من هذه الحيثية، ولكنهم ما يشعرون بذلك الاتحاد، لاغتشاء مشاعرهم بصورة التعينات الحجابية، والتعددات المظهرية.
في قلوبهم التي من صفتها صحة التقلب مع الشؤون الإلهية بحيث لا يحجبها شأن من شهوده تعالى، مرض يضاد هذه الصحة ويمنعها عن الظهور، فزادهم الله مرضا، على مرض بازدياد أضداد تلك الصحة وتتابعها، ولهم عذاب أليم بسبب كذبهم في قولهم: آمنا، وتكذيبهم إياه بحسب حالهم.
والغرض من نقل أمثال هذه المباحث الاطلاع على الآراء الكاسدة والأهواء المضلة، فإن الحق يعرف بضده.
وقد جاء في هذه الآية منقبة عظيمة وفضيلة جسيمة لمولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في تفسير الإمام العسكري (عليه السلام)، قال: قال موسى بن جعفر (عليهما السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما اعتذر إليه هؤلاء المنافقون بما اعتذروا، وتكرم عليهم بأن قبل ظواهرهم وأوكل بواطنهم إلى ربهم، لكن جبرئيل أتاه فقال: إن العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول: أخرج هؤلاء المردة الذين اتصل بك عنهم في علي ونكثهم لبيعته، وتوطينهم نفوسهم على مخالفته ما اتصل، حتى يظهر من عجائب ما أكرمه الله به من طاعة الأرض والجبال والسماء له وسائر ما خلق الله لما أوقفه موقفك وأقامه مقامك، ليعلموا أن ولي الله