وما في معناها، ولا يمتنع كون مثل هذه الأماكن في السماء وتكون موضعا للملائكة ولكثير من الأنبياء عليهم السلام، ويكون خلق جنة الخلد والنار بعد انقضاء التكليف واستحقاق الثواب والعقاب، فيكون النعيم دائما غير منقطع، والعذاب متصلا غير منفصل، من غير أن يتوسط خلقهما وبقاءهما نقض داريهما، ثم اعادتهما، وإبطال محليهما، ثم استئنافهما.
فاما الاخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله في صعوده إلى السماء، ودخوله الجنة وما شاهد فيها من الأشجار والثمار، حتى وصف نبقها بأنه كالقلال وقول (ع): (دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله)، وما حكي عنه (ع) من اجتماعه مع بعض الأنبياء فيها، إلى غير ذلك مما يطول ذكره - فهي أخبار آحاد ولا يعتمد عليها في هذا الباب، وليس طريقها العلم، وإنما يجب أن يعمل في ذلك على القطع والتحقق، كالدلالة التي ذكرناها، ولو ثبت ذلك وصح نقله، لم يمتنع أن يكون المراد به بعض الجنان التي ذكرنا أنها من مواضع الملائكة والأنبياء، لا جنة الخلد والثواب.
فأما قوله صلى الله عليه وآله: (دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها البله)، فيحتمل وجهين من التأويل: أحدهما، أن يكون (ع) قال ذلك وأراد به الدخول في المستقبل، وإنما عبر عنه بعبارة الكائن الواقع لقوة علمه بأن ذلك سيكون في المستأنف، كما قيل - في قوله تعالى: ﴿ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة...﴾ (1) -: إن ذلك لصحته وتحقق