في بسط هذا الكلام، والاتساع في مذاهبه، من زيادة الغمة على المراد به، وفرط الغيظ للمقصود باسماعه [1] حسن البسط والتوسع فيه، ألا ترى إلى مقدار الفرق بين قول القائل لضد ينازعه، وعدو يقارعه إن كنت مغيظا من نعمة الله علي وحسن بلائه عندي فاقتل نفسك، وبين قوله له: فاجزر [2] انا ملك، وافقأ عينك، واجدع انفك، وأذبح نفسك، أو يزيد في ذلك تفحيش صفة الذبح عليه بقوله: فخذ مدية حادة فقطع بها أوداجك، واجزر [2] حلقومك، وأسل دماءك، وبين الموضعين فرق واضح وتمييز ظاهر، فافهم ذلك فإنه من اسرار القرآن الخفية، وبدائعه العجيبة التي تزداد على النزح جماما (3)، وعلى القدح اضطراما.
ومن غريب ذلك ما عثرت عليه عند التلاوة آنفا، وهو قوله تعالى مخاطبا لموسى وهارون في الشعراء: (كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون 15) فقال (اذهبا) فثنى، ثم قال تعالى (معكم) فجمع. وهذا مما يمكن أن يستشهد به من يقول أن الاثنين جماعة. ثم قال تعالى في طه: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى 46)، فلما فخم تعالى في الموضع الأول ذكره سبحانه بقوله (انا) فخم ذكرهما فقال (معكم)، ولما ترك ذلك في الموضع الآخر فقال: (انني) قال (معكما) بلا تفخيم في الذكرين