وقوله في موضع آخر: (أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم) [1]، فلدخول الشبهة على الطوائف التي ذكرناها (كانوا) [2] يضيفون أفعال الله تعالى إلى غيره، ويخلعون صفاته على خلقه، فإذا انحسر قناع الشك، وانكشف غطاء الرأس، واضطر الناس إلى المعارف، وارتفع تكليف المكلف، وتقوض بناء الدنيا، وانقطعت أعمال الورى - علم الجميع أن لا خالق إلا الله تعالى:
يضر وينفع ويعطي ويمنع، فانتهت إليه الرغبات، وانقطعت من غيره الآمال والأطماع، وعلم أن رجاء غيره غرور، والمشير إلى سواه مغرور، فجاز أن يقول تعالى على هذا المعنى: (والى الله ترجع الأمور).
6 - وقال بعضهم: معنى ذلك: أن الأمور كلها في ملكه، وتصريفها على مشيئته، ومن غير أن يكون هناك على الحقيقة خروج عنه، فيكون رجوع إليه، وعلى هذا قولهم: (قد رجعت في فلان أشباه أبيه)، أي: خرج إليه في محاسن خلقه، أو في كرائم خلقه، وليس يريد القائل لذلك أن أمرا كان هناك فانتقل ثم رجع، وفقد ثم وجد، وإنما مراده ما ذكرناه، ومثل ذلك قول القائل: (قد رجع على فلان عتب من فلان، وعاد عليه من جهته لوم) يريد: اصابه منه عتب ولوم لا غير، إذ كان ذلك واقعا على سبيل الابتداء، ومثله قول الشاعر [3]: