وقال قاضي القضاة أبو الحسن - حرسه الله -: قد جوز بعضهم دخول النسخ في ذلك، بأن يكون الاتقاء اللازم مغلظا، فيخفف عنهم، ويكون المراد بحق تقاته التشديد والتغليظ عليهم، والمراد بقوله تعالى:
(فاتقوا الله ما استطعتم)، أي: بقدر ما تطيقونه ولا يجحف بكم، ويكون ذلك مطابقا لقوله تعالى: (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم...) [1]، كناية عن تسهيل التكليف وتحميل العبء الخفيف، وعلى ذلك قوله عليه السلام: (بعثت بالحنيفية السمحة).
قال: وهذا القول بعيد، لان الذي يجب أن يتقي [2] - إذا كانت حاله ثابتة كحاله أولا - لم يجز أن يختلف التكليف فيه بالتثقيل مرة وبالتخفيف تارة، وليس ذلك كالنسخ، لان النسخ يسقط وجوب أشياء كانت واجبة من قبل، فالنسخ إذن يكون داخلا في هذه الواجبات، لا في الاتقاء، كما لو نقص من الصلاة والواجبة بعضها، (و 3) لم يكن النسخ داخلا في الايمان [4]، وإنما يدخل في هذا الفرض خاصة. وبعد، فان الذي قاله زيادة على الظاهر، لان قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) و (حق تقاته) لا يفهم منها بحكم العقل إلا مراد واحد، فلا يجوز اذن دخول النسخ فيما هذه حاله، ولا وجه لحمل ذلك على التوكيد، وله مساغ في زيادة فائدة