على أن يتقي [1] جميع ما نهي عنه عنه من المعاصي، ومعنى الآيتين معنى واحد، لان من اتقى الله ما استطاع فقد اتقاه حق تقاته، لأنه تعالى لا ينهى أحدا عما لا يقدر على فعله وعلى تركه، ومتى لم يشترط الاستطاعة نطقا فهي مشروطة عقلا).
وأما أبو القاسم فإنه أنكر أن يكون في السلف من قال بذلك، واحتج بما روي عن معاذ بن جبل: (أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: هل تدري ما حق الله على العباد؟ هو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) قال:
وليس ذلك مما يجوز أن ينسخ، فكذلك الآية.
وقال بعضهم: جائز أن يكون ذلك منسوخا، بأن يكون المراد بقوله تعالى: (حق تقاته) القيام بحقوق الله تعالى في حال الخوف والأمن، وترك التقية فيهما على كل وجه، ثم نسخ ذلك في حال التقية والاكراه، وبقي في حال الامن والاختيار، ويكون معنى قوله تعالى في الآية الأخرى: (ما استطعتم)، أي: اتقوه فيما لا تخافون فيه على أنفسكم: من المشاق العظيمة والآلام المتلفة، لأنه قد يطلق نفي الاستطاعة فيما يشق على الانسان فعله، كقوله تعالى: (وكانوا لا يستطيعون سمعا) [2]، وإنما المراد بذلك المبالغة في ذكر المشقة، كما يقول القائل: (ما أستطيع أن أرى فلانا)، عبارة عن بلوغ الغاية في البغضاء له والازورار عنه). وقد كررنا هذا المعنى في عدة مواضع.
من كتابنا هذا.