فالجواب: أن امرأة عمران قالت عند حملها بمريم عليها السلام:
(رب إني نذرت لك ما في بطني محررا... - 35)، فاشترطت ما في بطنها بالنذر، فكان ذلك منها بعد القعود واليأس من الولد، فنذرت أن تجعل ولدها (الذي من الله عليها بحمله) سادنا (1) يخدم بيت المقدس طلبا للقربة، وخروجا من حق النعمة، وكان لا يجوز لخدمة بيت المقدس إلا الذكران، فلما وضعتها أنثى قالت متعذرة إلى ربها، ومشفقة من ألا يتقبل نذرها: (رب اني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى)، أي: في المعنى الذي أردته من التقريب بالذكر وتصييره خادما لبيت المقدس، لان الأنثى لا تصلح من ذلك لما يصلح له الذكر، لأجل ما يلحقها من الحيض والنفاس، ويلزمها من الصيانة عن التبرج للناس، ولأنها إذا خالطت الرجال افتتنوا بها، واستضروا بمكانها، فتقبلها الله تعالى وأجراها مجرى الذكر في التقرب به وتحريره لخدمة بيته ولم يفعل ذلك بأنثى غيرها، تمييزا لها من نظائرها، ومعنى محرر أي: جعلته نذيرة [2] خالصا، وكلما أخلص ولم يعلق بشئ غيره فهو محرر. ومنه تحرر الكتاب، وهو: إخلاصه من سودائه [3]. ومنه قولهم: حررت الغلام، ومعناه: جعلته خالصا لنفسه وأزلت ملكي عن رقبته. ومنه رجل حر، أي: خالص من العيوب.
والطين الحر: ما خلص من الرمل والحمأة [4]، وكأن المحرر هو المفرغ