من هذا العارض اليسير والألم القليل!. فقال: ذاك عقاب المخلوقين، وهذا عقاب الخالق، فلا صبر على شئ منه قليلا كان أو كثيرا. فقد بان الفرق بين عقوبة الله تعالى وعقوبة عباده، وظهرت فائدة الاختصاص بتخويف العقوبة من قبله تعالى في قوله: (ويحذركم الله نفسه).
وقد قيل: إن معنى ذلك ويحذركم الله إياه، لان نفس الشئ هو الشئ، كقول القائل: نزلت بنفس البلد وفي نفس الجبل، وعلى ذلك معنى قوله تعالى: (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك...) [1]، أي: تعلم ما أغيبه، ولا أعلم ما تغيبه، وقد قيل: تعلم ما عندي، ولا أعلم ما عندك، وقال الشاعر في نحو ذلك (وهو: أعشى بني قيس):
يوما بأجود نائلا منه إذا * نفس البخيل تجهمت سؤالها والمعنى: إذا البخيل تجهم سؤاله، لان النفس لا تجهم، وإنما يتجهم صاحبها. وكذلك معنى قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك...) [2] و (كل شئ هالك إلا وجهه..) [3] معناه: ويبقى هو، وكل شئ هالك إلا هو، وعلى هذا قول الرجل لصاحبه: إني لأكرم وجهك عن هذا، ولم يستح فلان من وجهي، أي: لم يستح مني، وعلى هذا قول الشاعر:
بوجهك عن مس التراب مضنة * فلا تبعدي، فكل حي سيعطب وإنما أراد: بك عن مس التراب وبجملتك، فعبر بالوجه عن