وذلك أن سياق الآية والآية التي تليها تدل على أن هذا الملك الذي يؤتيه الله وينزعه إنما هو في الدنيا دون الآخرة، ألا ترى إلى قوله تعالى تالي ذلك: (وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي.. الآية)!، وهذا كله من أحوال الدنيا، لا مدخل فيه لامر الآخرة.
6 - وقال بعضهم: (المراد بالملك ههنا النبوة، وكأنه تعالى قال: (تؤتي النبوة من تشاء، وتنزعها ممن تشاء)، فهذا القول محكي عن مجاهد بن جبير، ونزع النبوة يكون على وجهين: أحدهما باخترام النبي بعد تبليغه، وتحويله إلى ما أعد الله له من ثوابه وجنته.
والوجه الآخر: أن يكون بمعنى صرف النبوة عمن (شاء) [1] وإن كان تعالى لم يلبسها من صرفها عنه، فينزعها منه، ولكنه قال ذلك مجازا، لأنه قد كان قوم يتوقعون النبوة قبل إرسال النبي [ص] ويعتقدون أنهم سيكونون أنبياء ورسلا: منهم ورقة بن نوفل، ومنهم أمية بن أبي الصلت الثقفي، وغيرهما، فجاز في اتساع اللغة أن يصف تعالى نفسه بأنه نزع النبوة عنهم وآتاهم غيرهم، لأنهم كانوا - بزعمهم - يعتقدون أنهم أهل لها، ويتوقعون الاصفاء بها.
واستشهد من يقول: إن الملك ههنا النبوة، بقوله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك) [2]،