ينظرون إليه لا يجسرون أن يبرحوا فبينا هو كذلك إذ حان منه التفاتة فإذا هو برجل معه في القبة ففزع منه سليمان فقال له: من أنت؟ فقال له: أنا الذي لا اقبل الرشى ولا اهاب الملوك فقبضه وهو متكئ على عصاه سنة والجن يعملون له ولا يعلمون بموته حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته (فلما خر - على وجهه - تبينت الانس ان لو كانوا أي الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) (1) فكذا نزلت هذه الآية وذلك لان الانس كانوا يقولون إن ان الجن يعلمون الغيب فلما سقط سليمان على وجهه علم الانس ان لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان وهو ميت ويتوهمونه حيا، قال: فالجن تشكر الأرضة بما عملت بعصا سليمان، قال: فلما هلك سليمان وضع إبليس السحر وكتبه في كتاب ثم طواه وكتب على ظهره هذا ما وضعه آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز الملك والعلم من أراد كذا وكذا فليعمل كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقال الكافرون ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون ما هو إلا عبد الله ونبيه وقوله: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) قال:
فان بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس حتى يفيض على بلادهم، وجعلوا للخليج مجاري فكانوا إذا أرادوا ان يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيها يمر المار لا يقع عليه الشمس من التفافهما فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفارة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي لا يستقيلها الرجل ويرمي بها، فلما رأى ذلك