السماء امر الرياح فضربت البحور حتى أزبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهي النبت ولم تمطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله: " أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " فقال الأبرش والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال: أنا اشهد انك ابن نبي ثلاث مرات.
وقوله: (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) قال نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره وقوله: (وجعلنا السماء سقفا محفوظا) يعني من الشياطين اي لا يسترقون السمع واما قوله: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون) فإنه لما اخبر الله نبيه بما يصيب أهل بيته بعده وادعاء من ادعى الخلافة دونهم، اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) اي نختبرهم (والينا ترجعون) فاعلم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ان لابد ان تموت كل نفس، وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوما وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل الينا راجعون ننزلهم أجداثهم ونأكل تراثهم كانا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة ورمينا بكل حايجة أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وتواضع من غير منقصة وجالس أهل الفقه والرحمة وخالط أهل الذل والمسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية، أيها الناس طوبى لمن ذلت نفسه