تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج ٢ - الصفحة ١٥
للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلق الله بين السماء والأرض وان الله قدر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ثم قدر ذلك كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك يديرون الفلك فإذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه نزلت في منازلها التي قدرها الله فيها ليومها وليلتها وإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان يستعتبهم بآية من آياته امر الملك الموكل بالفلك ان يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب، فيأمر الملك أولئك السبعين الف ملك ان يزيلوا الفلك عن مجاريه قال فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك فيطمس حرها ويغير لونها فإذا أراد الله ان يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه بالآية فذلك عند شدة انكساف الشمس وكذلك يفعل بالقمر فإذا أراد الله ان يخرجهما وبردهما إلى مجريهما امر الملك الموكل بالفلك ان يرد الشمس إلى مجريها فيرد الملك الفلك إلى مجراه فتخرج من الماء (1) وهي كدرة والقمر مثل ذلك ثم قال علي بن الحسين عليه السلام

(1) لا يخفى ان مفاد هذه الرواية وإن كان غير مطابق ظاهرا للتحقيقات العصرية لان كسوف الشمس على ما حققوه عبارة عن حيلولة القمر بين الشمس والأرض وخسوف القمر عبارة عن حيلولة الأرض بينها وبين القمر، مع أنه لا وجود للماء في الفضاء فلا معنى لطمس الشمس فيه، إلا أنه يمكن ان يقال في مقام التوفيق انه للكسوفين سببان الأول:
الحيلولة والثاني: طمسها في الماء على النحو الذي ذكر في الرواية، ووجود الماء في الفضاء غير محال كما دلت عليه الآية الشريفة " هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء " ويمكن توجيهه بطريق آخر وهو: ان الأرض ثلاثة أرباع منها أو أزيد مغطاة بالماء فلما تكون حائلة بين الشمس والقمر يصير ظل الماء واقعا على القمر لان نحن الماء الملتف عليها زائد حدا، فإذا فرضنا الشمس إلى جانب والقمر إلى جانب آخر وفي وسطهما من الأرض قسمة منها عليها الماء وسطحه محدب لأجل كروية الأرض فيكون الحدب المائي مانعا عن وصول ضوء الشمس إلى القمر لكونه حائلا بينهما فيقع ظل نحن الماء على القمر فينخسف تماما أو ناقصا حسب مقدار حيلولة الماء فيصدق على القمر انه انطمس في الماء ولو مجازا (اي في ظل الماء). وكذا نقول في انكساف الشمس من أنه ليس الحائل بينها وبين الأرض نفس السيارة بل قسمة من الماء الموجود فيه ولو في الزمان السابق لامكان الماء فيه سابقا كما ذهب إليه بعض محققي عصرنا، ويؤيده ما عثرنا عليه أخيرا في كتاب " ماه " تأليف فارسي للفاضل المحقق السيد جلال امام جمعة الجزايري ما ما خلاصته مترجما بالعربية:
" ان التصاوير التي اخذت أخيرا بواسطة سبوتنك الأمريكي اوربيتر الرقم 4 - 5 من كرة القمر انعكست فيها اشكال لها شباهة تامة بالأنهار الأرضية وهذا صار سببا لاعتقاد بعض محققي العصر بان القمر كان فيه سابقا كمية وافره من الماء - وان الفلكي الأمريكي بروفيسور يورى (UREY. c. H) قال في مجلة الطبيعة الرقم 216، ان حاصل الرسوم الجديدة (اوربيتر 4 - 5) برهان ساطع على أن الماء كان موجودا في القمر بكمية كثيرة واعلام جريانه واضحة في هذه التصاوير، لكنه بمرور الزمان وحرارة الشمس تبدل بشكل البخار ولكون قلة جاذبية القمر لم يرجع وانتشر في الفضاء - إلى أن قال - بل إنه موجود الان أيضا في طبقات القمر منجمدا بشكل الثلج " فمفاد هذا الكشف ان كرة القمر متركب من اجزاء مائية ويؤيده ما في الحديث الآتي الذي قال فيه الإمام الباقر عليه السلام ان الله خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا الحديث، فتبين من ذلك كله ان هذه الرواية مما دل على العلم الحيوي لأهل بيت العصمة عليهم السلام ورسوخهم في العلوم بأرجائها زمان لم يكن لتلك التحقيقات الجديدة اثر ولا خبر نعم هنا شئ ذكره الإمام عليه السلام في هذه الرواية " بطونهما يضيئان لأهل السماء وظهورهما يضيئان لأهل الأرض " ومعناه ان الشمسين لا تديران وجهيهما إلى الأرض بل الينا طرف واحد منهما وهذا مما بلغه اليوم العلماء العصريون مع أن الفضل للمخبر به قبل الف عام.
وفي الكافي والبحار أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل له: ان الشمس لو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض ومن عليها من شدة حرها (الهيئة والاسلام ص 3 2). ج. ز
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست