تفسير القمي - علي بن إبراهيم القمي - ج ٢ - الصفحة ٢٣٣
لزلفى وحسن مآب (1)
(١) قال جدي السيد الجزائري (رحمه الله) في قصص الأنبياء: إن هذا الحديث محمول على التقية لموافقته مذهب العامة ورواياتهم وعدم منافاته لقواعدهم من جواز مثله على الأنبياء. والأخبار الواردة برده كثيرة من طرقنا فلا مجال لتأويله إلا الحمل على التقية. فعن (عيون الأخبار) باسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: سأل الرضا عليه السلامعلي بن محمد بن الجهم فقال ما يقول من قبلكم في داود عليه السلام؟ فقال يقولون إن داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير - إلى آخر الرواية -.
قال: فضرب على جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله على التهاون بصلاته حين خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل.
فقال يا بن رسول الله ما كانت خطيئته؟ فقال ويحك ان داود ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم مني، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسوروا المحراب، فقالا: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق - إلى قوله - له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، فكان هذا خطيئة داود لا ما ذهبتم إليه ألا تسمع الله عز وجل يقول: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ".
(أقول) ويرد عليه أيضا انه يمتنع من داود ان يخطأ في الحكم، فان الأنبياء المعصومين إذا لم يؤمنوا من الخطأ في القضاء فلمن العصمة من بعدهم؟ لا سيما مثل هذا الخطأ الفاحش الذي ارتكبه داود وهو الاستعجال إلى الحكم قبل طلب البينة من المدعى.
(وجوابه) ان قول داود: " لقد ظلمك بسؤال نعجتك... الخ " لعله لم يكن قضاءا وحكما بل إنه كان على سبيل إظهار الرأي قبل الحكم وكان بناؤه ان يطالب المدعي البينة من بعد، فحيث ان مثل هذا الكلام المشعر بكونه مائلا إلى أحد الخصمين بدون إقامة الدليل من الجانبين كان مما لا ينبغي لمكان النبوة فعوتب على ذلك واستغفر له. ج ز