شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٢ - الصفحة ٢٧٩
السلام على قدم عظيمه من الوقار والجد والسمت العظيم والهدى الرصين ولكنه كان طلق الوجه سمح الأخلاق وعمر كان يريد مثله من ذوي الفظاظة والخشونة لان كل واحد يستحسن طبع نفسه ولا يستحسن طبع من يباينه في الخلق والطبع وانا أعجب من لفظه عمر أن كان قالها أن فيه بطالة وحاش لله أن يوصف علي عليه السلام! بذلك وإنما يوصف به أهل الدعابة واللهو، وما أظن عمر - إن شاء الله - قالها وأظنها زيدت في كلامه، وإن الكلمة هاهنا لدالة على انحراف شديد.
فأما قول أمير المؤمنين عليه السلام للعباس ولغيره: ذهب الامر منا، أن عبد الرحمن لا يخالف ابن عمه، فليس معناه أن عمر قصد ذلك وإنما معناه أن من سوء الاتفاق أن وقع الامر هكذا ويوشك ألا يصل إلينا حيث قد اتفق فيه هذه النكتة.
فأما قول قاضى القضاة: إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن وجب أن يحمل فعله على ما يطابقها واعتراض المرتضى عليه بقوله: إن ذلك إنما يجب إذا كان الخير معلوما منه فيما تقدم لا مظنونا ومتى كان مظنونا ثم وجدنا له فعلا يظن به القبيح لم يكن لنا أن نقضي بالسابق على اللاحق فنقول في جوابه: إن الانسان إذا كان مشهورا بالصلاح والخير وتكرر منه فعل ذلك مدة طويلة ثم رأيناه قد وقعت منه حركه تنافى ذلك فيما بعد فإنه يجب علينا أن نحملها على ما يطابق أحواله الأولى ما وجدنا لها محملا لان أحواله الأولى كثيرة وهذه حالة مفردة شاذة وإلحاق القليل بالكثير وحمله عليه أولى من نقض الكثير بالقليل وقد كانت أحوال عمر مدة عشرين سنة منتظمة في إصلاح الرعية ومناصحة الدين وهذا معلوم منه ضرورة - أعني ظاهر أحواله - فإذا وقعت عنه حالة واحدة وهي

(1) البطالة (بفتح الباء): التعطل والتفرغ من العمل.
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 223 - من كلام له عليه السلام في شأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 3
2 نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه 6
3 خطب عمر الطوال 108
4 عود إلى ذكر سيرته وأخباره 112
5 نبذ من كلام عمر 116
6 أخبار عمر مع عمرو بن معد يكرب 118
7 فصل فيما نقل عن عمر من الكلمات الغريبة 120
8 ذكر الأحاديث الواردة في فضل عمر 177
9 ذكر ما ورد من الخبر عن إسلام عمر 182
10 تاريخ موت والأخبار الواردة بذلك 184
11 فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه 195
12 الطعن الأول: ما ذكروا عنه من قوله عندما علم بموت الرسول عليه السلام، والجواب عن ذلك 195
13 الطعن الثاني: ما ذكروا من أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ، والجواب عن ذلك 202
14 الطعن الثالث: ما ذكروا من خبر المجنونة التي أمر برجمها، والجواب عن ذلك 205
15 الطعن الرابع. ما ذكروه من أنه منع من المغالاة في صدقات النساء، والجواب عن ذلك 208
16 الطعن الخامس: ما ذكروه أنه كان يعطى من بيت المال مالا يجوز، والجواب عن ذلك 210
17 الطعن السادس: ما ذكروه أنه عطل حد الله في المغيرة بن شعبة، والجواب عن ذلك 227
18 الطعن السابع: ما ذكروه أنه كان يتلون في الأحكام، والجواب عن ذلك 246
19 الطعن الثامن: ما ذكروه من قوله في المتعة، والجواب عن ذلك 251
20 الطعن التاسع: ما روى عنه في قصة الشورى، وكونه خرج بها عن الاختيار والنص جميعا، والجواب عن ذلك 256
21 الطعن العاشر: ما ذكروه من قولهم: إنه أبدع في الدين مالا يجوز، والجواب عن ذلك 281