من جوز عليه صلى الله عليه وآله الموت في المستقبل وأنكره في هذه الحال!
وبعد فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق! ومن أين زعم أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم! وكيف حمل معنى قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وقوله (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) على أن ذلك لا يكون في المستقبل بعد الوفاة! وكيف لم يخطر هذا إلا لعمر وحده ومعلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة وقلة التأمل والبصيرة! وكيف لم يوقن بموته لما رأى ما عليه أهل الاسلام من اعتقاد موته وما ركبهم من الحزن والكآبة لفقده! وهلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد فلم يحتج إلى موقف ومعرف! وقد كان يجب - إن كانت هذه شبهة - أن يقول في حال مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد رأى جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه من الوفاة حتى يقول أسامة بن زيد معتذرا من تباطئه (1) عن الخروج في الجيش الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكرر ويردد الامر حينئذ بتنفيذه لم أكن ذ عنك الركب -: ما هذا الجزع والهلع وقد أمنكم الله من موته بكذا في وجه كذا وليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظنه صاحب الكتاب (2).
* * * قلت الذي قرأناه ورويناه من كتب التواريخ يدل على إن عمر أنكر موت رسول الله صلى الله عليه وآله من الوجهين المذكورين أنكر أولا أن يموت إلى يوم القيامة واعتقد عمر أنه يعمر كما يعتقد كثير من الناس في الخضر فلما حاجه أبو بكر بقوله تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون) وبقوله (أفإن مات أو قتل) رجع عن ذلك الاعتقاد.
وليس يرد على هذا ما اعترض به المرتضى لان عمر ما كان يعتقد استحالة الموت عليه كاستحالة الموت على البارئ تعالى - أعني الاستحالة الذاتية بل اعتقد استمرار حياته إلى يوم